تحديد آلية عصبية جديدة للتغيير السلوكي الناجم عن الإجهاد

اكتشف باحثون زيادة مستدامة في النشاط العصبي استمرت لعدة أيام بعد التعرض لحدث مرهق للغاية في نواة المهاد تسمى المهاد البطيني (PVT).
وقد تزامن ارتفاع نشاط المهاد البطيني لفترات طويلة مع الأرق أثناء اليقظة، والسلوك المضطرب قبل النوم، وبداية النوم لفترة طويلة.
وإذا تم تثبيط نشاط المهاد البطيني بشكل انتقائي بعد حدث الإجهاد لمدة ساعة واحدة فقط، فإن الزيادة المستمرة في نشاط المهاد البطيني لم تحدث وظل سلوك الفئران طبيعيًا بعد حدث الإجهاد خلال الأيام التالية.
نُشرت الورقة البحثية في مجلة PLOS Biology.
لم يسبق أن تم وصف زيادة النشاط التلقائي التي تستمر لأيام في المخ.
عادة ما يحتوي المخ على آليات قوية لتقليل النشاط الاستثاري المفرط.
يوازي الإثارة المتزايدة دائمًا زيادة تعويضية في التثبيط، وحتى في المخ المصاب بالصرع، يكون النشاط العصبي بين النوبات طبيعيًا إلى حد كبير بسبب زيادة التثبيط.
وتوضح البيانات الحالية أن النشاط المتزايد باستمرار قد يستمر في ظل ظروف خاصة في مناطق معينة من الدماغ، كما تسلط البيانات الضوء على آلية تسمح بتغيير حالة الدماغ لفترات طويلة بعد التعرض لحدث بارز واحد.
أيضا تظهر النتائج أن هذه الزيادة في النشاط العصبي قابلة للعكس، مما يشير إلى أن تأثير الحدث المجهد يمكن تخفيفه ربما من خلال آليات طبيعية أيضًا.
وقد تم تسجيل النشاط المتزايد في المنطقة البطينية المحيطية، وهي مجموعة منظمة بشكل فريد من الخلايا العصبية في المهاد.
لم يكن هذا من قبيل المصادفة: حيث تعمل المنطقة البطينية المحيطية كـ "مركز" حيث تتقارب المدخلات من مناطق الدماغ التي تشفر الإجهاد واليقظة والدافع قبل نقلها إلى القشرة المخية كرسالة عصبية سريعة من الجلوتامات.
يتم إرسال الرسالة المتكاملة إلى جميع مراكز الدماغ الأمامية الرئيسية (اللوزة، والقشرة الجبهية، والحُصين، والنواة المتكئة) التي تتحكم في السلوك.
لا يُعرف أي منطقة أخرى في الدماغ تُظهر خصائص اتصالية مماثلة، وبالتالي، تعمل المنطقة البطينية المحيطية كعنق زجاجة حقيقي في الاتصال بين جذع الدماغ والدماغ الأمامي، كمُدمِج لإشارات الإجهاد.
وقد أظهرت دراسة سابقة أجراها نفس الفريق البحثي أن تنظيم المهاد البطيني متشابه للغاية في الفئران والبشر.
يحتوي المهاد البطيني على نفس النوع من الخلايا في كلا النوعين ويتلقى مدخلات انتقائية مماثلة من جذع الدماغ والوطاء، وهذا يوضح أن مركز الدماغ المتخصص في نقل الإشارات العاطفية والإثارة إلى الدماغ الأمامي محفوظ تطوريًا إلى حد كبير.
في نموذج الفئران، عرَّض الباحثون الحيوانات لعامل ضغط ذي صلة بالبيئة، وهو رائحة حيوان مفترس (ثعلب) لمدة 10 دقائق، وكان النمط السلوكي الناتج مشابهًا جدًا لمجموعات الأعراض التي تظهر في اضطراب الإجهاد الحاد (المزاج السلبي، والتجنب، وزيادة الإثارة، ومشاكل النوم)، وهذا يثبت صحة النهج الحالي كنموذج حيواني ذي صلة محتملة لدراسة التغيرات الأولية في الدماغ بعد حدث مرهق بشكل كبير.

الآثار المترتبة على علاج اضطرابات التوتر
إن التجربة المؤلمة أو الحدث المجهد الكبير قد يؤدي إلى تغيرات دائمة في السلوك، وفي بعض الحالات تستمر مدى الحياة.
ورغم أن هذه الظاهرة معروفة جيدًا، فإن الأسس العصبية التي تقوم عليها لم تُفهَم بعد، ولا تزال العلاجات الفعّالة غير متوفرة.
إن الاعتداء في الشارع، أو وقوع حادث، أو مأساة عائلية، أو محنة تسبب تغيرات دائمة في السلوك لدى نحو 20% من الأفراد الذين يتعرضون لمثل هذه الأحداث.
ويميز الباحثون بين المرحلة الحادة المبكرة (حتى 30 يومًا بعد التعرض للضغط) والمرحلة المتأخرة (بعد 30 يومًا، في حالات اضطراب ما بعد الصدمة) من المرض، والأعراض متشابهة في كلتا المرحلتين.
من أشهر أعراض اضطراب ما بعد الصدمة تكرار الذكريات المؤلمة في مواقف غير مناسبة.
بالإضافة إلى هذه الأعراض المتقطعة، قد تكون هناك أعراض مستمرة تؤثر بشكل كبير على الحالة المزاجية والسلوك، ومن أمثلة هذه الأعراض الأرق وصعوبة النوم وعدم الاستقرار العاطفي والانسحاب.
لقد بحثت العديد من الدراسات في كيفية تشفير الدماغ للذكريات واسترجاعها، ولكن ما زال من غير الواضح ما هي الآليات العصبية التي تكمن وراء التغيرات العاطفية المستمرة بعد الصدمة.
يعرف الباحثون أنه أثناء تشفير واسترجاع الذكريات، تحدث تغييرات وجيزة في نشاط الخلايا العصبية التي تخزن هذه الذكريات.
تشير البيانات الحالية إلى آلية مستقلة عن أثر الذاكرة، وتُظهِر تغييرات مستمرة بعد الحدث الإجهادي وترتبط سببيًا بالتغيير في السلوك الناجم عن الإجهاد، وقد تمهد هذه الآلية الطريق لعلاجات جديدة لعلاج القضايا المرتبطة بالإجهاد.
ومن خلال تعديل نشاط المهاد البطيني، يمكن تطوير علاجات تعالج بشكل فعال القلق الناجم عن الإجهاد والاضطرابات المرتبطة بالصدمات، كما يمكن أن يساهم الفهم الأعمق لهذه التغيرات العصبية طويلة الأمد في تطوير علاجات مستهدفة تهدف إلى تخفيف الاضطرابات السلوكية المرتبطة بالإجهاد.
وأخيرًا، وجد الباحثون أن تثبيط المهاد البطيني لمدة ساعة واحدة ظل فعالًا بشكل ملحوظ حتى عند تطبيقه بعد خمسة أيام من الحدث المجهد.
ويؤدي هذا الاكتشاف إلى تمديد نافذة الوقت العلاجي المحتملة التي قد يكون العلاج القائم على هذه النتائج فعالًا خلالها.