نتائج واعدة لـ تجديد الخلايا العصبية

يتأثر ملايين الأشخاص حول العالم كل عام بإصابات الحبل الشوكي وإصابات الدماغ الرضحية، إلى جانب أمراض النمو العصبي والتنكسية.
وتشمل هذه الأمراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والتوحد، والشلل الدماغي، ومرض الزهايمر، والتصلب المتعدد، والصرع، ومرض باركنسون.
ويسعى الأستاذ المساعد بابيترا ساهو، من قسم العلوم البيولوجية بجامعة روتجرز في نيوارك، إلى فهم كيفية تضرر نظامنا العصبي بسبب هذه الإصابات والحالات، ومتى وكيف تتجدد الخلايا العصبية في أنظمتنا العصبية المركزية والطرفية وتشفى.
في الآونة الأخيرة، نجح ساهو وفريقه البحثي في جامعة RU-N في تحقيق اختراق باستخدام ببتيد لمساعدة الخلايا العصبية في كل من الجهازين العصبيين المحيطي والمركزي على التجدد، ونشروا نتائجهم في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.
وقال ساهو: "نحن متحمسون للغاية لهذه النتائج الأخيرة، والتي قد تكون مفيدة لهذا المجال، وخاصة فيما يتعلق بصدمات الجهاز العصبي المركزي".

الجهاز العصبي البشري
الجهاز العصبي البشري عبارة عن شبكة معقدة من الخلايا والأنسجة والأعضاء التي تتحكم وتنسق جميع وظائف الجسم، وهو يتألف من منطقتين رئيسيتين: الجهاز العصبي المركزي (CNS)، والذي يتكون من الدماغ وجذع الدماغ والحبل الشوكي، والجهاز العصبي المحيطي (PNS)، والذي يمتد من الجهاز العصبي المركزي ويشمل جميع الأعصاب التي تربطه ببقية الجسم.
وبالاشتراك معًا، يتحكم هذان الجزءان في مجموعة من الوظائف الحيوية مثل الإدراك الحسي، والتحكم في الحركة، والإدراك، والتعلم والذاكرة.
ويساعد مركز التحكم هذا أيضا في الحفاظ على التوازن الداخلي، وتنظيم أشياء مثل درجة حرارة الجسم وضغط الدم، إلى جانب وظائف لا إرادية أخرى مثل التنفس والهضم.
تحتوي كل خلية عصبية، أو عصبون، على 3 أجزاء: جسم الخلية، الذي يحتوي على نواة وميتوكوندريا وعضيات أخرى ضرورية لعمل الخلية؛ وذيل طويل يسمى المحور العصبي، والذي ينقل الإشارات الكهربائية والكيميائية بعيدًا عن الخلية؛ والتغصنات، وهي فروع من الشجرة العصبية التي تتلقى الرسائل للخلية.
تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض عن طريق إرسال مواد كيميائية، أو نواقل عصبية، عبر مساحة صغيرة تسمى المشبك العصبي، بين المحاور والتغصنات العصبية للخلايا العصبية القريبة.

الشفاء أمر صعب
إن شفاء الجهاز العصبي البشري بعد الإصابة أو التنكس أو انقطاع إمداد الدم (كما هو الحال في السكتة الدماغية) أمر صعب.
نادرًا ما تتجدد محاور الجهاز العصبي المركزي بشكل طبيعي بعد الإصابات الرضحية بسبب قدرة النمو الجوهرية لتلك المحاور، إلى جانب مثبطات النمو في البيئة الخارجية للجهاز العصبي المركزي.
من ناحية أخرى، يمكن للمحاور في الجهاز العصبي المحيطي أن تتجدد تلقائيًا بعد الإصابة، على الرغم من أنها عملية بطيئة.
لكي تتجدد محاور الجهاز العصبي المحيطي وتستعيد وظيفتها، يجب استيفاء شرطين: أولًا، يجب أن تبدأ الخلية العصبية المصابة التعبير الجيني الذي يدعم التجديد، والذي يحدث عندما تحمل جزيئات mRNA المعلومات الجينية من نواة الخلية إلى السيتوبلازم لتوجيه تخليق بروتينات محددة (عملية تسمى الترجمة).
ثانيا، يجب أن تواجه المخاريط النامية الناشئة عند أطراف هذه المحاور بيئة قادرة على دعمها وتوجيهها، مع وجود بروتينات المصفوفة خارج الخلية وجزيئات التصاق الخلايا ومكونات أخرى موجودة تعمل على تعزيز عملية التجدد.
عادةً ما يؤدي تلف الأعصاب الطرفية إلى تحفيز مثل هذه البيئة.
ومع ذلك، فإن الضرر الذي يلحق بالمسارات المحورية في الجهاز العصبي المركزي يؤدي إلى خلق بيئة غير مواتية لاستطالة المحور، حيث تعمل مكونات مختلفة على تثبيط النمو.
وقد جرب الباحثون وسائل مختلفة للالتفاف على هذه المثبطات على مر السنين لتعزيز تجديد المحور العصبي المركزي، مع نجاح متفاوت، وإن كان متوسطًا.
الطريق إلى التجديد
في ورقة بحثية نشرت عام 2018، أظهر ساهو وفريق الباحثين في ولاية كارولينا الجنوبية أن بروتينًا يسمى G3BP1 موجود في المحاور العصبية الطرفية ويشكل كتلًا أو حبيبات إجهاد تنمو بشكل أكبر في الأعصاب المصابة وتمنع تخليق البروتين اللازم لتجديد المحاور العصبية.
قام الفريق بتصميم وبراءة اختراع ببتيد منفذ للخلايا مشتق من G3BP1، والذي وجدوا أنه يذيب هذه الحبيبات ويعزز إنتاج البروتينات الجديدة اللازمة لإصلاح محور الجهاز العصبي المحيطي ونموه.
وفي بحثهم الأخير، وجد ساهو وفريقه أن كتل بروتين G3BP1 موجودة أيضًا في محاور الجهاز العصبي المركزي، ومن خلال استخدام الببتيد الحاصل على براءة اختراع، تمكنوا من تعزيز تجديد المحور العصبي في كل من الجهاز العصبي المحيطي والجهاز العصبي المركزي.
والأمر الأكثر أهمية هو أن هذا النهج نجح ليس فقط في الخلايا العصبية للفئران والجرذان، بل وأيضًا في الخلايا العصبية البشرية المزروعة في المختبرات، وهو ما يشير إلى علاجات مستقبلية محتملة للبشر.
إن الببتيد الذي يستخدمه الفريق، على الرغم من أنه واعد، إلا أنه يعاني أيضًا من قيود تتمثل في أنه متاح بيولوجيًا ومستقر في القوارض لمدة أسبوعين فقط، وفقًا لساهاو وفريقه.
وفي المستقبل، سيحاول العلماء تحسين الببتيد أو العثور على جزيء صغير من مكتبات مختبر الكيمياء يمكنه محاكاة الببتيد.
وقال ساهو: "يعد هذا الببتيد مسارًا لنمو المحور العصبي، وسنواصل العمل على تطوير عقار أفضل، ونحن نتطلع إلى مواصلة المرحلة التالية من عملنا".