كيفية عمل بروتين إصلاح الحمض النووي.. وماذا يعني ذلك لعلاج السرطان؟

تعمل بروتينات إصلاح الحمض النووي باستمرار على اكتشاف الأضرار التي تلحق بالشفرة الجينية الخاصة بالإنسان وعكسها.
وقد كافح الباحثون لفترة طويلة لفهم كيف تقوم الخلايا السرطانية بخطف أحد هذه البروتينات، والتي تسمى بوليميراز ثيتا (بول-ثيتا)، من أجل بقائها.
لكن العلماء في معهد سكريبس للأبحاث تمكنوا الآن من التقاط أول صور مفصلة لبوليميراز ثيتا أثناء عمله، مما يكشف عن العمليات الجزيئية المسؤولة عن مجموعة من أنواع السرطان.

نتائج الدراسة
تسلط النتائج، التي نشرت في مجلة Nature Structural & Molecular Biology، الضوء على كيفية خضوع بول ثيتا لإعادة ترتيب هيكلي كبير عندما يرتبط بخيوط الحمض النووي المكسورة.
ومن خلال الكشف عن بنية بول ثيتا المرتبطة بالحمض النووي - حالته النشطة - توفر الدراسة مخططًا لتصميم أدوية أكثر فعالية لعلاج السرطان.
يقول غابرييل لاندر، المؤلف الرئيسي والأستاذ في مركز سكريبس للأبحاث: "لدينا الآن صورة أكثر وضوحًا لكيفية عمل بول ثيتا، وهو ما سيمكننا من منع نشاطه بدقة أكبر".
من الناحية الفنية، يعد بول ثيتا إنزيمًا، وهو نوع من البروتين يعمل على تسريع التفاعلات الكيميائية، بما في ذلك تلك المتعلقة بإصلاح الخلايا.
يعد تلف الحمض النووي مشكلة مستمرة للخلايا، ويحدث ملايين المرات يوميًا في جميع أنحاء أجسامنا.
تستخدم الخلايا عادةً آليات دقيقة للغاية لإصلاح هذه الانقطاعات، ولكن بعض أنواع السرطان، وخاصة تلك الناشئة عن طفرات BRCA1 أو BRCA2، مثل بعض سرطانات الثدي والمبيض، تفتقر إلى هذه الوظيفة.
بدلًا من ذلك، تعتمد على طريقة أكثر عرضة للخطأ، يتحكم فيها بول ثيتا.
ويضيف المؤلف الأول كريستوفر زيريو، وهو زميل ما بعد الدكتوراه السابق في مختبر لاندر: "يعتبر بول ثيتا هدفًا مهمًا، وترى العديد من شركات الأدوية أنه طريقة واعدة لعلاج السرطانات التي لديها مسارات إصلاح الحمض النووي المعيبة".
وعلى الرغم من أن الدراسات السابقة نجحت في رسم خرائط لأجزاء من بنية بول ثيتا، إلا أن تفاعلات الإنزيم مع الحمض النووي لم تكن مفهومة بشكل جيد.
يقول زيريو: "ما كان مفقودًا هو كيفية تفاعل بول ثيتا في الواقع مع الحمض النووي، وهو أمر ضروري لتطوير الأدوية".
وقد أظهرت الأبحاث السابقة أن بول-ثيتا يوجد في شكلين: رباعي (أربع نسخ من الإنزيم) وثنائي (نسختان)، ولكن السبب أو الكيفية التي تغير بها بول-ثيتا بين هذه الأشكال غير معروفة.
قبل هذه الدراسة، لم يتم التقاط بنية بول-ثيتا إلا في حالة غير نشطة، مما ترك فجوة معرفية كبيرة فيما يتعلق بكيفية تفاعل الإنزيم مع الحمض النووي.
كان الأمر أشبه بمحاولة تحديد كيفية وصول النحلة إلى الرحيق عندما لم تر سوى زهرة مغلقة.
وباستخدام المجهر الإلكتروني المبرد والتجارب الكيميائية الحيوية، توصل الفريق إلى اكتشاف مدهش أثناء تصوير بول ثيتا أثناء عملية إصلاح الحمض النووي: كلما ارتبط بول ثيتا بخيوط مكسورة، فإنه يتحول باستمرار من التكوين الرباعي إلى تكوين ثنائي لم يسبق له مثيل من قبل.
بمجرد دخوله إلى حالته النشطة، يقوم إنزيم بول-ثيتا بإصلاح الحمض النووي باستخدام عملية من خطوتين: أولًا، يبحث الإنزيم عن تسلسلات صغيرة متطابقة تسمى "الميكروهومولوجيات" على الخيوط المكسورة.
بمجرد العثور على تسلسل متطابق، يربط إنزيم بول-ثيتا خيوط الحمض النووي المكسورة معًا حتى يمكن خياطتها معًا، دون الحاجة إلى طاقة إضافية.
تتطلب معظم الإنزيمات دفعة من الطاقة للعمل، لكن إنزيم بول-ثيتا يعتمد على الانجذاب الطبيعي بين تسلسلات الحمض النووي المتطابقة، مما يسمح لها بالالتصاق في مكانها من تلقاء نفسها.
ويقول زيريو: "إذا تمكنا من منع هذه العملية، فقد نتمكن من جعل السرطانات المعتمدة على بول ثيتا أكثر حساسية للعلاج".
ومن المهم أن نلاحظ أن إنزيم بول ثيتا يتم إنتاجه بمستويات منخفضة في الخلايا السليمة، مما يجعله هدفًا واعدًا لعلاجات السرطان.
وعلى النقيض من الخلايا السرطانية، التي تعتمد على إنزيم بول ثيتا كحل مؤقت لمسارات الإصلاح المعيبة، فإن الخلايا السليمة تعتمد على آليات إصلاح أكثر دقة تتطلب الطاقة، مما يضمن إصلاحًا أكثر دقة للحمض النووي.
ولأن الخلايا السليمة لا تحتاج إلى إنزيم بول ثيتا للبقاء على قيد الحياة، فإن منع نشاط الإنزيم من غير المرجح أن يسبب ضررًا واسع النطاق للأنسجة السليمة.
ويشير لاندر إلى أن "معظم أدوية علاج السرطان تستهدف البروتينات التي تحتاجها الخلايا السليمة أيضًا. وعلى وجه التحديد، فإن استهداف بروتين بول-ثيتا من شأنه أن يقتل الخلايا السرطانية فقط، مما يقلل من احتمالات حدوث آثار جانبية أثناء العلاج".
إن الأدوية التي تمنع إنزيم بول-ثيتا تخضع بالفعل للتجارب السريرية، ولكن يجب دمجها حاليًا مع علاجات أخرى حتى تعمل بشكل فعال.
وفي حين أن هذه الدراسة قد تساعد في تطوير أدوية أكثر دقة، فإن المزيد من الأبحاث قد تكشف عن أدوار أخرى قد يلعبها الإنزيم في الوظائف الخلوية.
يقول لاندر: "نريد أيضًا أن نفهم سبب وجود بول ثيتا في شكله الرباعي وكيف يتفاعل مع إنزيمات إصلاح الحمض النووي الأخرى، ويمكن أن تؤدي مثل هذه الرؤى إلى طرق جديدة لاستهداف السرطانات المرتبطة بـ BRCA".