الجمعة 02 مايو 2025 الموافق 04 ذو القعدة 1446
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في كشف سبب الزهايمر؟

السبت 26/أبريل/2025 - 01:58 م
الزهايمر
الزهايمر


وجدت دراسة جديدة أن جينًا عُرف مؤخرًا كعلامة حيوية لمرض الزهايمر هو في الواقع سببٌ له، نظرًا لوظيفته الثانوية غير المعروفة سابقًا.

استخدم باحثون في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو الذكاء الاصطناعي للمساعدة في كشف غموض مرض الزهايمر واكتشاف علاج محتمل يعيق الدور الإضافي لهذا الجين.

ونشر فريق البحث نتائجه في مجلة Cell.

الزهايمر

يُصاب حوالي واحد من كل تسعة أشخاص تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر بمرض الزهايمر، وهو السبب الأكثر شيوعًا للخرف.

في حين أن بعض الجينات المُحددة، عند حدوث طفرة فيها، قد تُؤدي إلى الإصابة بالزهايمر، إلا أن هذه الصلة لا تُمثل سوى نسبة ضئيلة من جميع مرضى الزهايمر.

الغالبية العظمى من المرضى لا يحملون طفرة في جين معروف يُسبب المرض؛ بل يُصابون بمرض الزهايمر "التلقائي"، وأسبابه غير واضحة.

إن اكتشاف هذه الأسباب قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين الرعاية الطبية.

قال شينج زونج، المؤلف الرئيسي للدراسة: "لسوء الحظ، فإن خيارات علاج مرض الزهايمر محدودة للغاية، والاستجابات العلاجية ليست بارزة في الوقت الحالي".

قام تشونج وفريقه بدراسة مُعمّقة لإنزيم فوسفوغليسرات ديهيدروجينيز (PHGDH)، الذي اكتشفوه سابقًا كمؤشر حيوي محتمل في الدم للكشف المُبكر عن مرض الزهايمر.

وفي دراسة مُتابعة، وجدوا لاحقًا أن مستويات التعبير عن جين PHGDH ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالتغيرات في الدماغ لدى مرضى الزهايمر؛ بمعنى آخر، كلما ارتفعت مستويات البروتين والحمض النووي الريبوزي (RNA) الذي يُنتجه جين PHGDH، ازدادت مراحل المرض سوءًا.

وقد تم التحقق من هذا الارتباط منذ ذلك الحين في مجموعات مُتعددة من مراكز طبية مُختلفة.

انبهر فريق البحث بهذا الارتباط القابل للتكرار، فقرر في هذه الدراسة الأخيرة التحقق من وجود تأثير سببي.

باستخدام عضيات دماغية بشرية وفئران، وجد الباحثون أن تغيير مستويات التعبير عن جين PHGDH كان له آثارٌ مُترتبة على مرض الزهايمر: إذ تزامن انخفاض المستويات مع تراجع تطور المرض، بينما أدى ارتفاع المستويات إلى تفاقمه.

هكذا، أثبت الباحثون أن جين PHGDH هو بالفعل جين سببي لمرض الزهايمر التلقائي.

دعمًا لهذه النتيجة، حدد الباحثون - بمساعدة الذكاء الاصطناعي - أن PHGDH يلعب دورًا لم يُكتشف من قبل: فهو يُحفز مسارًا يُعطل آلية عمل الجينات في خلايا الدماغ، وقد يُسبب هذا الاضطراب مشاكل صحية، مثل الإصابة بمرض الزهايمر.

دور إضافي

يُنتج PHGDH مفتاحًا إنزيميًا لإنتاج السيرين، وهو حمض أميني أساسي وناقل عصبي.

ولأن النشاط الإنزيمي لـ PHGDH كان دوره الوحيد المعروف، افترض الباحثون أن وظيفته الأيضية مرتبطة بنتائج مرض الزهايمر، إلا أن جميع تجاربهم المصممة لإثبات ذلك باءت بالفشل.

وقال تشونج: "في ذلك الوقت، وصلت دراستنا إلى طريق مسدود، ولم يكن لدينا أدنى فكرة عن الآلية التي تعمل بها".

لكن مشروعًا آخر لمرض الزهايمر في مختبره، لم يُركز على PHGDH، غيّر كل هذا.

قبل عام، كشف هذا المشروع عن سمة مميزة لمرض الزهايمر: اختلال واسع النطاق في الدماغ في عملية تحكم الخلايا في الجينات التي تُفعّل وتُعطّل للقيام بأدوارها المحددة.

وكان الباحثون يتساءلون عما إذا كان لـ PHGDH دور تنظيمي غير معروف في هذه العملية، ولجأوا إلى الذكاء الاصطناعي الحديث للمساعدة.

باستخدام الذكاء الاصطناعي، تمكنوا من تصور البنية ثلاثية الأبعاد لبروتين PHGDH.

داخل هذه البنية، اكتشفوا أن البروتين يحتوي على بنية فرعية تشبه إلى حد كبير نطاق ربط الحمض النووي المعروف ضمن فئة من عوامل النسخ المعروفة. يكمن التشابه فقط في البنية وليس في تسلسل البروتين.

وقال تشونج: "لقد تطلب الأمر بالفعل الذكاء الاصطناعي الحديث لصياغة البنية ثلاثية الأبعاد بدقة شديدة لتحقيق هذا الاكتشاف".

بعد اكتشاف البنية التحتية، أثبت الفريق أنه بواسطتها، يُمكن للبروتين تنشيط جينين مُستهدفين أساسيين، وهذا يُخل بالتوازن الدقيق، مُؤديًا إلى العديد من المشاكل، وفي النهاية إلى المراحل المُبكرة من مرض الزهايمر.

بعبارة أخرى، لـ PHGDH دورٌ غير معروف سابقًا، مُستقل عن وظيفته الأنزيمية، والذي يُؤدي، من خلال مسارٍ جديد، إلى مرض الزهايمر التلقائي.

يرتبط هذا بدراسات سابقة أجراها الفريق: أنتج جين PHGDH بروتينات أكثر في أدمغة مرضى الزهايمر مقارنةً بأدمغة المجموعة الضابطة، وهذه الكميات المتزايدة من البروتين في الدماغ هي التي حفّزت هذا الخلل.

مع أن جميع الأشخاص يحملون جين PHGDH، إلا أن الاختلاف يكمن في مستوى التعبير الجيني للجين، أو عدد البروتينات التي يُنتجها.

خيار العلاج

والآن بعد أن اكتشف الباحثون الآلية، فإنهم يريدون معرفة كيفية التدخل وبالتالي تحديد مرشح علاجي يمكن أن يساعد في استهداف المرض.

بينما تُركز العديد من العلاجات الحالية على علاج التراكم غير الطبيعي لبروتين بيتا أميلويد اللزج في الدماغ، تُشير بعض الدراسات إلى أن علاج هذه اللويحات قد يكون غير فعال: إذ يكون العلاج قد فات الأوان في هذه المرحلة من التراكم. لكن المسار الحرج الذي اكتشفته هذه الدراسة يقع في المنبع، لذا فإن منع هذا المسار يُمكن أن يُقلل من تكوين لويحات الأميلويد في المقام الأول.

نظراً لأهمية إنزيم PHGDH، فقد أُجريت دراسات سابقة حول مثبطاته المحتملة، وقد لفت جزيء صغير، يُعرف باسم NCT-503، انتباه الباحثين لعدم فعاليته في تثبيط النشاط الأنزيمي لـ PHGDH (إنتاج السيرين)، والذي لم يرغبوا في تغييره.

كما يتميز NCT-503 بقدرته على اختراق الحاجز الدموي الدماغي، وهي ميزة مرغوبة.

لجأوا مجددًا إلى الذكاء الاصطناعي للتصور والنمذجة ثلاثية الأبعاد، ووجدوا أن NCT-503 قادر على الوصول إلى البنية الفرعية لربط الحمض النووي لـ PHGDH، وذلك بفضل جيب الربط.

وبإجراء المزيد من الاختبارات، لاحظوا أن NCT-503 يثبط بالفعل الدور التنظيمي لـ PHGDH.

عندما اختبر الباحثون NCT-503 على نموذجين من الفئران المصابة بمرض الزهايمر، لاحظوا أنه خفف بشكل ملحوظ من تطور المرض. أظهرت الفئران المعالجة تحسنًا ملحوظًا في اختبارات الذاكرة والقلق.

وقد تم اختيار هذه الاختبارات لأن مرضى الزهايمر يعانون من تدهور إدراكي وزيادة في القلق.

يُقرّ الباحثون بوجود قيود في دراستهم، منها عدم وجود نموذج حيواني مثالي لمرض الزهايمر التلقائي. ولم يتمكنوا من اختبار NCT-503 إلا في نماذج الفئران المتاحة، وهي تلك التي تحتوي على طفرات في الجينات المعروفة المسببة للمرض.

ومع ذلك، فإن النتائج واعدة، وفق ما أكده لتشونج الذي قال: "يوجد الآن مرشح علاجي ذو فعالية مثبتة، ويمكن تطويره لاحقًا لإجراء اختبارات سريرية".

وأضاف: "قد تظهر فئات جديدة كليًا من الجزيئات الصغيرة التي يمكن الاستفادة منها لتطوير علاجات مستقبلية".

وأشار إلى أن إحدى ميزات الجزيئات الصغيرة هي أنه يمكن إعطاؤها عن طريق الفم، على عكس العلاجات الحالية التي تتطلب الحقن.