تحديد الآليات العصبية وراء شفاء الذهان

كشفت دراسة عن آليات الدماغ التي تُمكّن من شفاء الذهان، وقد تُسهم نتائج هذا البحث الرائد في استكشاف استراتيجيات تدخل جديدة لدى مرضى الذهان.
تدرس الدراسة الاختلافات في أنماط الاتصال العصبي بين المرضى الذين تعافوا من الذهان والذين لم يتعافوا.
وقد مكّن تحديد هذه الاختلافات باستخدام النماذج الحاسوبية من تحديد أنماط الاتصال العصبي التي تُسهّل شفاء المرض.
نُشرت نتائج البحث مؤخرًا في مقال بمجلة Nature Mental Health.

ما هو الذهان؟
تُركز هذه الدراسة على الذهان، وهو اضطراب عقلي خطير يُسبب أفكارًا وتصورات غير طبيعية ومنفصلة عن الواقع، ومن أعراضه الرئيسية الأوهام أو الهلوسة.
يُقدر أن ما بين 1.5% و3.5% من السكان حول العالم قد يُشخصون بالذهان خلال حياتهم.
قام فريق البحث بتحليل صور الرنين المغناطيسي للدماغ لـ 88 مريضًا في مستشفى لوزان في المراحل المبكرة من الذهان، و128 فردًا سليمًا (مجموعة ضابطة)، وبالتالي، تم استكشاف الاختلافات بين أنماط الاتصال العصبي لدى الأشخاص الذين هدأت حالتهم الذهانية والأشخاص الذين يعانون من أعراض مستمرة.
الترابطات العصبية والذهان
نتيجةً لهذا التحليل المقارن، وُجدت فروقٌ جوهرية في نشاط الشبكة الدماغية لمجموعتي المرضى.
في الواقع، يُظهران أنماط اتصال متعاكسة: إذ يتناقص الاتصال العصبي لدى المرضى الذين يعانون من أعراض ذهانية مستمرة، بينما يزداد لدى الأشخاص الذين يعانون من نوبات ذهانية متقطعة.
باستخدام نماذج حسابية شاملة للدماغ، وجدت الدراسة أن كلا المجموعتين لديهما استقرار عام أقل في الوصلات العصبية مقارنةً بالمرضى الأصحاء. قد تُعزى التغيرات التي تطرأ على الوصلات العصبية إلى حاجة الدماغ للتكيف مع حالة ضعف التوصيل الناتجة عن الذهان.
ومع ذلك، بين المرضى المتعافين، تُسهم التغيرات في نمط الوصلات العصبية بشكل أوسع وأكثر فعالية في شفاء المرض. وهذا يُفسر الاختلافات التجريبية والسريرية بين المجموعتين.
يشير جوستافو ديكو إلى أن هذه الدراسة "تتيح لنا التنبؤ بالتطور الطبيعي للمريض بعد نوباته الذهانية الأولى"، وذلك بفضل "تحسين" النماذج الحاسوبية للدماغ الكامل، مما يسمح لنا بتحليل آلية عمله.
ويضيف: "حاليًا، تُعد نماذج الدماغ الكامل هذه المثال الأفضل والوحيد على تطبيق حقيقي للطب الدقيق من خلال توائم الدماغ الرقمية".
في البداية، اقتصرت هذه النماذج على شرح الآليات الكامنة وراء حالات دماغية مختلفة، بما في ذلك الذهان، على سبيل المثال، وهو ما كان مفيدًا للغاية في المرحلة الأولى، أما الآن، وفي المرحلة الثانية، فهي تتيح إعادة إنتاج آليات الدماغ الفردية لمرضى محددين، في إطار ما يُسمى بالطب الدقيق.
وقال ديكو: "علاوة على ذلك، فإنهم ليسوا قادرين على تفسير حالة الدماغ في وقت محدد فحسب، بل أيضًا على البدء في التنبؤ بتطوره الزمني أو حتى تطوره بناءً على تأثير العلاجات الدوائية أو الكهرومغناطيسية المختلفة التي يمكن اختبارها أولاً باستخدام النماذج الحسابية".