نهج جديد يستهدف علاج أمراض العظام

تؤثر الأمراض المُدمرة للعظام، مثل هشاشة العظام والتهاب المفاصل الالتهابي المزمن، على ملايين الأشخاص حول العالم، مسببةً الألم والكسور وانخفاض جودة الحياة.
غالبًا ما تنجم هذه الحالات عن خلل في تنظيم الخلايا الناقضة للعظم، وهي خلايا متخصصة مسؤولة عن تكسير أنسجة العظام.
اليوم، تستهدف العديد من العلاجات الواعدة منشط مستقبلات عامل النواة كابا بي (RANKL) - RANK - مسار إشارات مستقبلات عامل نخر الورم المرتبط بالعامل 6 (TRAF6)، والذي يتحكم في تكوين الخلايا الناقضة للعظم.
عندما يرتبط البروتين RANKL بمستقبله RANK على الخلايا السلفية للخلايا الناقضة للعظم، فإنه يؤدي إلى سلسلة من الإشارات من خلال جزيء محول يسمى TRAF6، مما يؤدي في النهاية إلى تكوين الخلايا الناقضة للعظم الناضجة.
على الرغم من فعالية هذه العلاجات، إلا أنها تأتي مع قيود شديدة من حيث الفعالية أو الدقة.
ولأن مسار إشارات RANKL-RANK-TRAF6 يشارك في العديد من العمليات البيولوجية الحيوية، بما في ذلك وظيفة الجهاز المناعي ونمو الغدد الثديية، فإن الأدوية التي تثبط هذا المسار بشكل عام قد تسبب آثارًا جانبية متنوعة.
علاوة على ذلك، أظهرت الببتيدات الاصطناعية التي طُوّرت سابقًا لاستهداف تفاعل RANK-TRAF6 فعالية محدودة، إذ تتطلب تركيزات عالية لتحقيق تأثيرات فعّالة.

تعديل نمو الخلايا الناقضة للعظم
تُبرز هذه المشكلات الحاجة إلى تدخلات أكثر استهدافًا، قادرة على تعديل نمو الخلايا الناقضة للعظم بدقة دون الإخلال بالعمليات الخلوية الأساسية الأخرى.
وعلى هذه الخلفية، قام فريق بحثي بقيادة البروفيسور كيوتاكا نيشيكاوا من قسم علوم الحياة الجزيئية بجامعة دوشيشا في اليابان، بتطوير مركب جديد يمكن أن يكون مفيدًا في علاج أمراض تدمير العظام.
تصف دراستهم، المنشورة في مجلة Communications Biology، ببتيدًا رباعي التكافؤ يُنظّم التفاعل بين RANK وTRAF6 عن طريق ضبط إشارات لاحقة محددة.
شارك في تأليف البحث الدكتور ماساتاكا أنزاي والأستاذة المساعدة ميهو واتانابي تاكاهاشي، من جامعة دوشيشا أيضًا.
أولاً، استخدم الفريق طريقة فحص مبتكرة لتحديد هياكل ببتيدية رباعية التكافؤ واعدة.
قادهم هذا إلى WHD-tet، الذي يرتبط بـ TRAF6 من خلال تفاعل متعدد التكافؤ، ثم طوروا شكلاً من هذا الببتيد نافذاً للخلايا، يُسمى CR4-WHD-tet، والذي يثبط بفعالية نمو الخلايا الناقضة للعظم في المزارع المخبرية بتركيزات أقل بكثير من المركبات المعروفة سابقاً.
ما يجعل هذا الاكتشاف جديرًا بالملاحظة بشكل خاص هو آلية عمل الببتيد، فبدلًا من حجب جميع الإشارات اللاحقة تمامًا، فإنه يثبط تحديدًا استقطاب بروتين يُسمى MKK3 إلى TRAF6، وهذا بدوره يمنع تنشيط p38-MAPK، وهو جزيء إشارات أساسي في المراحل المتأخرة من نمو الخلايا الناقضة للعظم.
يوضح البروفيسور نيشيكاوا قائلاً: "إن الببتيد الرباعي الذي حددناه هنا هو نوع جديد محتمل من العوامل العلاجية للأمراض المرتبطة بالخلايا الناقضة للعظم مع آثار جانبية أقل من الأدوية التقليدية".
عند اختباره على الفئران، نجح CR4-WHD-tet في منع فقدان العظام بفعالية في نموذج أمراض العظام المُستحثة بجين RANKL. والجدير بالذكر أن الببتيد تراكم بشكل تفضيلي في أنسجة العظام بفضل تركيبته الحمضية من الأحماض الأمينية، مما عزز من إمكاناته العلاجية.
بالإضافة إلى ذلك، لم يُعطل وظيفة الخلايا البانية للعظم - وهي الخلايا المسؤولة عن بناء عظام جديدة - مما يشير إلى تأثير مُستهدف للغاية على امتصاص العظام دون المساس بتكوينها.
إلى جانب إمكاناته العلاجية، كشف هذا البحث عن رؤى جديدة مهمة في آليات تكوين الخلايا الناقضة للعظم.
أظهرت الدراسة أن MKK3 يلعب دورًا حاسمًا في المرحلة المتأخرة من تمايز الخلايا الناقضة للعظم، ويؤثر تحديدًا على التوطين النووي لـ p38-MAPK.
تساعد هذه النتيجة في توضيح الديناميكيات الزمنية لمسارات الإشارة أثناء تطور الخلايا الناقضة للعظم، وتسليط الضوء على الآليات الجزيئية المختلفة التي تلعب دورًا في المراحل المبكرة مقابل المراحل المتأخرة من التمايز.
وبشكل عام، يمثل هذا العمل تقدما كبيرا في علاج أمراض تدمير العظام، ويمنح الأمل في التوصل إلى علاجات يمكنها الحفاظ على كثافة العظام بشكل فعال مع تقليل التأثيرات غير المرغوب فيها على الأنظمة البيولوجية الأخرى.
ويشير البروفيسور نيشيكاوا إلى أن "المفهوم الاستراتيجي الجديد لدراستنا، والذي يتلخص في ضبط الإشارات المرتبطة بالأمراض بدلاً من حجبها، يمهد الطريق لتطوير أنواع جديدة من العلاجات".