عقاقير السرطان.. هل تعزز التعافي من السكتة الدماغية وتحد من تلف الدماغ؟

لا تزال السكتة الدماغية أحد الأسباب الرئيسية للوفاة والعجز وزيادة العبء الاقتصادي وانخفاض جودة الحياة حول العالم.
العلاجات الحالية للسكتة الدماغية محدودة المدة وتركز بشكل كبير على استعادة تدفق الدم، وقليل منها يعالج الموجة الثانوية من الالتهاب التي تسبب المزيد من الإصابات في الساعات والأيام التي تلي السكتة الدماغية.
أظهرت دراسة أجراها باحثون من كلية يونج لو لين للطب، التابعة للجامعة الوطنية في سنغافورة، أن فئة من الأدوية، وهي مثبطات هيستون دياسيتيلاز، تحمي الخلايا العصبية وتحد من تلف الدماغ بعد السكتة الدماغية عن طريق تغيير التعبير الجيني للخلايا الدبقية الصغيرة، وهي الخلايا المناعية في الدماغ.

علاج السرطان
يتم استخدام HDACi حاليًا أو يتم اختباره كعلاجات لبعض أنواع السرطان، كما يتم البحث فيها أيضًا لعلاج الحالات العصبية مثل مرض الزهايمر.
وقد تمهد الدراسة، التي قادها البروفيسور إس ثامييم دين، والدكتور كيفن جاياراج، والدكتور جاي إس بوليبالي من قسم التشريح في كلية الطب بجامعة سنغافورة الوطنية، الطريق لاستراتيجيات علاجية جديدة تعمل على استعادة وظائف المخ بعد السكتة الدماغية الإقفارية .
قال البروفيسور إس تي دين إن النتائج تُظهر إمكانات هائلة للترجمة السريرية ومجالات أخرى في علم الأمراض العصبية.
وأضاف: "تُستكشف مثبطات هيستون دي أسيتيلز بالفعل في علاج السرطان والتنكس العصبي، ما نُظهره الآن هو إمكانية إعادة توظيفها لتخفيف الالتهاب في الدماغ وتعزيز التعافي من السكتة الدماغية، من خلال آلية تتمحور حول الخلايا الدبقية الصغيرة".
نُشرت الدراسة في مجلة Glia، وتوضح كيف يمكن للخلايا الدبقية الصغيرة أن تتحول من حالة التهابية إلى حالة وقائية عند علاج HDACi، مما يؤدي في النهاية إلى تقليل تلف الدماغ وتحسين احتمالات الشفاء من السكتة الدماغية.
وباستخدام تقنيات جزيئية متطورة مثل النسخ المكاني، الذي يسمح بالرسم الجيني المتزامن للخلايا الدبقية الصغيرة عبر مناطق متعددة من الدماغ المصاب بالسكتة الدماغية، قام الباحثون بالتحقيق في كيفية استجابة هذه الخلايا المناعية للسكتة الدماغية والعلاج.
في نماذجهم المخبرية، تم إيقاف تدفق الدم في الشريان الدماغي الأوسط لمحاكاة السكتة الدماغية، ثم أُعطي علاج HDACi. أظهرت النماذج المعالجة انخفاضًا بنسبة 60% في تلف الدماغ، إلى جانب تحسن في الأداء السلوكي وتغيرات ملحوظة في ديناميكيات الخلايا الدبقية الصغيرة: فبدلًا من التسبب في التهاب عصبي ضار في أدمغة المصابين بالسكتة الدماغية، تعزز الخلايا الدبقية الصغيرة من النماذج المعالجة بـ HDACi إصلاح الدماغ وبقاء الخلايا العصبية.
وباستخدام النسخ المكاني، تمكن الفريق من رسم خريطة لتعبير آلاف الجينات في مواقع دقيقة في جميع أنحاء الدماغ، وكشف كيف تعمل السكتة الدماغية على تغيير المسارات الجينية الرئيسية التي تشارك في بقاء الخلايا، والالتهاب، والحماية العصبية، والبلعمة (عملية إزالة الحطام).
وقد تبين أن علاج HDACi ينقذ هذه المسارات، حيث أظهرت مناطق الدماغ المختلفة أنماطًا فريدة من استجابة الخلايا الدبقية الصغيرة، مما يسلط الضوء على الدقة المكانية المذهلة للدماغ أثناء التعافي.
وأضاف البروفيسور ثيروما ف. أروموجام، المؤلف المشارك في الدراسة أن "أدوية HDACi تعيد برمجة الخلايا الدبقية الصغيرة بدقة في مناطق الدماغ المتضررة من السكتة الدماغية، محولةً إياها من عوامل التهابية إلى عوامل شفاء، ومن خلال استهداف هذه الخلايا المناعية ، تتمتع دراستنا بالقدرة على معالجة الضرر الحاد والتعافي طويل الأمد بعد السكتة الدماغية.
أوضح الدكتور جاياراج: "تُظهر دراستنا لأول مرة أن HDACi قادر على استعادة نشاط الجينات العصبية الوقائية في الخلايا الدبقية الصغيرة بطريقة محددة لكل منطقة في الدماغ، بما في ذلك مناطق حيوية مثل الحُصين، المسؤول عن ترسيخ الذاكرة، والأهم من ذلك، أننا حددنا أهدافًا بديلة تُمثل نهجًا مُبتكرًا لعلاج السكتة الدماغية وغيرها من الحالات التي يلعب فيها الالتهاب العصبي دورًا مهمًا".
وعلى أمل الحصول على نافذة علاجية أطول ونهج يركز على الخلايا الدبقية الصغيرة في نماذج إعادة التأهيل العصبي الأخرى إلى جانب السكتة الدماغية، يهدف الباحثون بعد ذلك إلى تطوير علاجات تعمل خارج المرحلة الحادة من السكتة الدماغية، وإعادة برمجة الخلايا الدبقية لدعم التعافي وإصلاح الدوائر الدماغية والحفاظ على الوظيفة العصبية.