الإثنين 06 مايو 2024 الموافق 27 شوال 1445
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر

الدكتور عايزني أشخص نفسي

السبت 16/يوليو/2022 - 12:00 م
دكتور نزار رفعت أستاذ
دكتور نزار رفعت أستاذ الأمراض الصدرية


يستعجب بعض المرضى من أسئلة الأطباء لهم قبل الكشف عليهم ( يسمى هذا في علم  الطب بالتاريخ المرضي)، والبعض ربما يقول للطبيب  حضرتك هتشوف كل حاجة بنفسك في الكشف، بل ويظن البعض أن الطبيب يحاول أن يغش منه التشخيص، وبالطبع كل هذه الأفكار غير دقيقة ولتصويب هذه المفاهيم  سأقوم بتوضيح أهمية التاريخ المرضي في السطور التالية، ودعونا نبدأ بهذا المثال فنتخيل أن أحد النشالين خطف هاتفك المحمول وهرب.

أكيد ستذهب لنقطة الشرطة وهناك سيقوم الضابط بسؤالك عن ما استطعت تحقيقه من أوصاف السارق، مثل جنسه، طوله، لونه، لبسه   وما شابه ذلك، وحينها ربما يدهشك الضابط المتقن لعمله بأن يقول لمخبريه اقبضوا على فلان الفلاني ويذكر لهم كامل اسمه.

وهذا طبعا كما نقول بالعامية (ولا سحر ولا شعوذة)، ولكن لأنه مسجل خطر سرقة هواتف، وله ذات الصفات التي ذكرتها أنت له.
 

طبعا من شاهد الحادث ومن تم خطف هاتفه هو أنت، ولكن من توقع الجاني هو الضابط وهذا لمعلوماته السابقة بأوصاف من يتوقع منهم فعل ذلك معك.

وكذلك الأطباء يعلمون من أوصاف الأمراض وخصائصها وتأثيراتها ما يمكن  الطبيب الماهر من رسم صورة كاملة أو شبه كاملة للمرض، عن طريق أسئلته للمريض.
 

يعنى مثلا، لو أن شخصا أحس بضيق في التنفس واختار أن يذهب لطبيب الصدر، وفي أثناء الزيارة سأله الطبيب عن رعشة في الأطراف وإحساس غير طبيعي بالحرارة حتى في الشتاء، ونقص في الوزن رغم زيادة  الشهية للطعام، هنا تجد بعض المرضى يكاد يقول للطبيب يا ريت يا دكتور تركز على الشكوى اللي أنا جاي علشانها (يعني قصده ضيق التنفس).
 

هنا أقول لك إن طبيبك الماهر الذي أجدت أنت اختياره، شك أن سبب إحساسك بضيق التنفس هو زيادة إفراز الغدة الدرقية فأخذ يرسم صورة  المرض ويدققها كي يقبض لك على سبب شكواك، كما فعل الضابط معك تماما كي يرجع لك هاتفك.
 

ولو مكثنا في نفس الشكوى وهي ضيق التنفس، لوجدنا أن لها عشرات الأسباب، بداية من التوتر مرورا بالأنيميا وأمراض القلب والرئة والغدة الدرقية وحتى الفشل الكلوي وغيرها. 
وأحب أن أزيدكم من الشعر بيتا، فأقول إن الكثير من هذه الأسباب لا تظهر أثناء الكشف مهما كانت مهارة الطبيب وخبراته. 

وهنا تكمن أهمية التاريخ المرضي حيث يساعد الطبيب على أن يحصر توقعاته في  سبب واحد أو على الأكثر في عدة أسباب محدودة لشكوى المريض، وبالطبع تتم مطاردة هذه الاحتماليات بالفحوص، كي يصل لسبب واضح وقاطع لما يعانيه المريض.

وطبعا في حال الاستهانة بأهمية التاريخ المرضي، سواء من جانب المريض أو الطبيب، فسيكون الحال مثل الضابط لو لم يأخذ أقوالك أو رفضت أنت الإجابة على أسئلته التي تخص أوصاف الجاني، لكان مطلوبا منه القبض على كل البشر والاشتباه فيهم كي يستعيد لك أشيائك.
يعنى بالمعنى الواضح، أنه بدون تاريخ مرضي احترافي سيكون مطلوبا منك مئات الفحوص التي فضلا عن تكلفتها المادية، ربما تعرضك للمخاطر كالتعرض للإشعاع بدون حاجة، أو ربما عمل قسطرة على القلب مع عدم  احتياجك  لها وهكذا.

وأختم كلامي أيضا بمثل، فأقول لحضراتكم إنه ليس مطلوبا مني حين تتعطل سيارتي أن أدرس هندسة  السيارات، ولا مطلوب من مركز الصيانة أن يشرحها كاملة لي، ولكن كل ما هو مطلوب مني هو اختيار المكان المتخصص جيد السمعة ثم اتباع التعليمات والإجابة على الأسئلة والقيام بما هو مطلوب مني.

أخيرا أقول لحضراتكم لا تستغربوا أسئلة الأطباء ولا تظنوا بعدها عن شكواكم، بل حاولوا أن تتحروا الدقة في إجاباتكم عليها، كي يتمكن الأطباء من الوصول إلى التشخيص من أقصر الطرق الممكنة.
 

*دكتور نزار رفعت أستاذ الأمراض الصدرية