الكشف عن أدلة عصبية بيولوجية بخصوص إصابة النساء بالاكتئاب بعد الولادة

حدد الباحثون اختلافات بنيوية في المادة الرمادية في أدمغة النساء اللاتي لديهن تاريخ من الاكتئاب بعد الولادة وأولئك اللاتي لا يعانين من الاكتئاب بعد الولادة ضمن مجموعة من مرضى اضطراب الاكتئاب الشديد.
كما وجد أن النساء اللاتي عانين من الاكتئاب بعد الولادة أكثر حساسية لتقلبات الهرمونات خلال فترة ما بعد الولادة.
تساهم الدراسة الجديدة في الطب النفسي البيولوجي: علم الأعصاب الإدراكي والتصوير العصبي، التي تتعرف على الأسس البيولوجية للاكتئاب ما بعد الولادة وتفكيكها عن اضطراب الاكتئاب الشديد، في تحسين صحة الأم والطفل

الاكتئاب بعد الولادة
الاكتئاب بعد الولادة هو أحد المضاعفات الشائعة للحمل والولادة وقد يكون له عواقب محتملة على صحة الأم ونمو الطفل.
ما زال الجدل قائمًا حول ما إذا كان ينبغي اعتبار الاكتئاب بعد الولادة حالة سريرية منفصلة عن اضطراب الاكتئاب الشديد.
في هذه الدراسة تم استخدام نهج الدماغ بالكامل لأول مرة للمساعدة في تحديد الإجابة على هذا السؤال.
قام الباحثون بفحص 64 مريضة تعاني من اضطراب اكتئابي رئيسي باستخدام تحليل مورفومتري قائم على الفوكسل، وهو نهج للدماغ بأكمله دون فرضية مسبقة، لتحديد الاختلافات البنيوية المحتملة للمادة الرمادية بين النساء اللاتي لديهن تاريخ من الاكتئاب حول الولادة وأولئك اللاتي لم يكن لديهن تاريخ.
تقول ياسمين أ. هارينجتون، المؤلفة الأولى للدراسة: "لقد وجدنا أن مجموعات المادة الرمادية الثنائية داخل العقد القاعدية، وهي منطقة حاسمة للتحفيز واتخاذ القرار والمعالجة العاطفية، أكبر لدى النساء اللاتي لديهن تاريخ من الاكتئاب حول الولادة مقارنة بالنساء اللاتي عانين من نوبات اكتئاب خارج هذه الفترة الزمنية فقط".
هناك آلية بيولوجية يُعتقد غالبًا أنها تفصل بين اضطراب الاكتئاب الشديد والاكتئاب بعد الولادة، وهي تورط الهرمونات الجنسية. فخلال فترة الحمل، ترتفع مستويات الهرمونات، وخاصة الاستراديول والبروجسترون، إلى مستويات عالية من الناحية الفسيولوجية ثم تنخفض بشكل حاد قبل الولادة بفترة وجيزة.
وقد افترضت أبحاث سابقة أن النساء اللاتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة لديهن حساسية خاصة لهذه التقلبات في الهرمونات. وقد أظهرت دراسات سابقة التأثيرات الكبيرة للهرمونات الجنسية على الدماغ، بما في ذلك تغيير بنية الدماغ ووظيفته، وتوفير الحماية العصبية، والتأثير على النتائج السلوكية.
يوضح الباحث الرئيسي الدكتور فرانشيسكو بينيديتي: "لقد حسبنا درجات المخاطر الجينية لمستويات الاستراديول وقمنا بتقييم ارتباطها بمجموعة المادة الرمادية المحددة من تحليل القياسات الحجمية القائم على الفوكسل لمعرفة ما إذا كان تأثير الدرجات الجينية على الدماغ مختلفًا بناءً على تاريخ الاكتئاب بعد الولادة.
وأضاف: "تظهر نتائجنا أن الدرجات الجينية للإستراديول كان لها تأثير إيجابي على أحجام العقد القاعدية لدى النساء المصابات بالاكتئاب حول الولادة وتأثير سلبي لدى النساء غير المصابات بالاكتئاب حول الولادة، مما يشير إلى وجود تأثير تفاضلي للحمل الجيني للإستراديول على بنية الدماغ بناءً على تاريخ الاكتئاب حول الولادة".
تقول ياسمين أ. هارينجتون: "لقد فوجئنا بإمكانية ملاحظة تأثير الاكتئاب بعد الولادة بسنوات، مما يشير إلى أن هذه الاختلافات مرتبطة بالبيولوجيا العصبية للاضطراب وليس بالحالة المحددة، ومما يؤكد هذا الاكتشاف، أن الحمل الجيني للإستراديول أظهر تأثيرًا بعد سنوات من حدوث حالة الاكتئاب بعد الولادة، مما يشير إلى وجود حساسية عصبية مدى الحياة للإستراديول في الاكتئاب بعد الولادة، ويعطي دعمًا إضافيًا لنظرية الهرمونات التناسلية للاضطراب".
ويأمل الباحثون في هذه الدراسة أن تساهم نتائجهم في إزالة وصمة العار المرتبطة بالاكتئاب بعد الولادة.
وتشير الدكتورة بينيديتي إلى أن "العديد من النساء لا زلن يعتبرن العبء الرهيب الذي يفرضه الاكتئاب بعد الولادة خطأهن، ويشعرن بالذنب لأنهن لا يستطعن تلبية التوقعات فيما يتصل بدورهن كأمهات".
وأضافت: أظهرنا أن العوامل الوراثية التي تؤثر على الهرمونات الستيرويدية من الناحية الفسيولوجية تؤثر على هياكل المخ على مستوى أساسي للغاية، مما قد يجعل النساء أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية اكتئابية عندما تتذبذب الهرمونات بشكل ملحوظ، كما يحدث في فترة ما بعد الولادة".
وتابعت: "نعتقد أن تحسين المعرفة حول هذه الآليات سيؤدي في نهاية المطاف إلى استراتيجيات أكثر دقة وشخصية للوقاية من هذه الحالة وعلاجها".