كيف تقوم الأمعاء بعملية التمعج لتحريك الطعام؟

بعد كل وجبة، تقوم الأمعاء بعملية تسمى التمعج، أي تحريك الطعام عبر أجزائها الداخلية المجوفة مع انقباضات واسترخاء منسق للعضلات الملساء.
منذ أكثر من قرن، عرف العلماء أن الخلايا العصبية في الأمعاء تدفع القولون إلى الحركة، مما يسمح له بأداء وظيفته الحيوية، لكن كيفية قيام هذه الخلايا العصبية المعوية بعملها بدقة لا تزال غامضة.
وقد تمكنت دراسة جديدة من تحديد الآلية وراء هذه الظاهرة، حيث أظهرت أن حركة الأمعاء تتغير بسبب التمارين الرياضية والضغط والالتهابات.

دور بروتين PIEZO1
وتكشف نتائج الدراسة، التي استندت إلى تجارب أجريت على الفئران ونشرت في مجلة Cell، أن بروتين استشعار الضغط المسمى PIEZO1 يلعب دورًا رئيسيًا في تنسيق حركات الأمعاء والحفاظ على الالتهاب في هذا العضو تحت السيطرة.
وقال الباحثون إنه إذا تم تكرار هذه النتائج على البشر، فقد تساعد في تصميم علاجات مستهدفة بدقة تعمل على ترويض الالتهاب المعوي وعلاج اضطرابات حركية الأمعاء، مثل الإسهال والإمساك.
وقال رويدري جاكسون، المؤلف المشارك في الدراسة: "في النهاية، قد نتمكن من تحفيز PIEZO1 لتسريع عملية الإخراج، أو منعه لعلاج الإسهال، أو استخدامه كهدف جديد لعلاج الالتهاب المعوي لدى مرضى التهاب الأمعاء".
وأضاف جاكسون أن هذه النتائج تظهر كيف يتفاعل الجهازان العصبي والمناعي في الأمعاء للحفاظ على وظيفة صحية وحماية العضو من الالتهاب.
وتضيف هذه النتائج أيضًا إلى مجموعة متنامية من الأبحاث التي تُظهر أن هذين النظامين يتفاعلان بقوة في أعضاء مختلفة، بما في ذلك الدماغ والرئتين والجلد.
دليل مبكر
لطالما انبهر العلماء بملاحظة قدرة الأمعاء على الحركة بشكل مستقل دون تدخل من الجهاز العصبي المركزي.
وأوضح جاكسون أن الأمعاء المُشرّحة، دون أي اتصال بالأعصاب الخارجية، لا تزال قادرة على القيام بهذا العمل الحيوي.
كان الباحثون يعرفون بالفعل أن الخلايا العصبية المعوية - الخلايا العصبية الموجودة بالكامل داخل الأمعاء - تتفاعل مع خلايا العضلات الملساء لتحفيز التمعج، ولكن ما يحدث بالضبط عند الواجهة ظل لغزا.
بصفته أخصائيًا في علم المناعة، درس جاكسون سابقًا دور بروتين PIEZO1 في الخلايا المناعية التي تستشعر القوة الميكانيكية الناتجة عن التنفس.
وكشف هذا العمل السابق أن البروتين يمكن أن يُحفز الالتهاب في الرئتين عند استشعاره ضغطًا ميكانيكيًا.
وتساءل جاكسون عما إذا كان هذا البروتين قد يكون له دور بطريقة ما في حركة الأمعاء الهضمية.
ولاستكشاف هذه الفكرة، قام الباحثون بتحليل نشاط الجينات في الخلايا العصبية المعوية لدى الفئران والبشر، ووجدوا أن جين Piezo1، الذي ينتج بروتين PIEZO1، نشط للغاية في الخلايا العصبية المثيرة في الأمعاء - تلك المسؤولة عن تحفيز تقلصات العضلات في الأمعاء عن طريق إطلاق الرسول الكيميائي الأسيتيل كولين، الذي يساعد الأعصاب على التواصل ويدفع حركة العضلات.
ومن خلال تعديل الفئران وراثيا بحيث تتوهج الخلايا العصبية المنتجة لبروتين PIEZO1 باللون الأخضر، أكد الباحثون أن البروتين كان وفيرًا بالفعل في هذه الخلايا.
بروتين PIEZO1 وحركة الأمعاء
لفهم دور PIEZO1 الدقيق بشكل أفضل، اختبر الفريق أنسجة أمعاء الفئران تحت ظروف ضغط متفاوتة. في الفئران الطبيعية، انقبضت الأمعاء عند زيادة الضغط. أما في الفئران المعدلة وراثيًا لتفتقر إلى Piezo1، فلم تنقبض الأنسجة تحت الضغط، مما يؤكد أن PIEZO1 يعمل كمستشعر للضغط، مما يساعد على تنظيم حركة الأمعاء.
بعد ذلك، استخدم الباحثون فئرانًا معدلة وراثيًا يُمكن تعديل خلاياها العصبية المعوية بالضوء. عندما نشّطت الخلايا العصبية المُعبّرة عن Piezo1 بالضوء، طردت الفئران حبة زجاجية صغيرة من أمعائها أسرع بمرتين من الفئران العادية.
في تجربة أخرى، استخدم الباحثون مواد كيميائية لتعطيل خلايا Piezo1 العصبية في الأمعاء. في هذه الفئران، تباطأت عملية الهضم بشكل ملحوظ. وبالنظر إلى النتائج مجتمعةً، أكدت أن البروتين يلعب دورًا رئيسيًا في التحكم في حركة الأمعاء.
وقال جاكسون إن ممارسة الرياضة تُعرف منذ زمن طويل بتسريع حركة الأمعاء، وهي ظاهرة يُطلق عليها ممارسو الرياضة اسم "جري العدائين".
ولأن ممارسة الرياضة قد تزيد الضغط على الأمعاء نتيجةً للاحتكاك والاحتكاك بأعضاء أخرى، اختبر الباحثون بعد ذلك تأثير فقدان بروتين Piezo1 على حركة الأمعاء لدى الفئران.
من المعروف أيضًا أن داء الأمعاء الالتهابي (IBD) يزيد من حركة الأمعاء بسبب الالتهاب. لاختبار دور Piezo1 في هذه الحالة، ابتكر الباحثون نماذج فئران لداء الأمعاء الالتهابي.
أظهرت النتائج أن الفئران المصابة بداء الأمعاء الالتهابي، والتي كانت أمعاؤها سليمة، تحركت أمعاؤها بسرعة أكبر، مقارنةً بالحيوانات التي عُطِّل فيها Piezo1.
من المثير للدهشة أن تباطؤ حركة الأمعاء لم يكن الأثر الجانبي الوحيد لفقدان جين Piezo1، إذ أدى تعطيل هذا الجين أيضًا إلى تفاقم أعراض داء الأمعاء الالتهابي.
يبدو أن الالتهاب المتفاقم في هذه الفئران كان نتيجة لفقدان مادة الأستيل كولين الكيميائية الالتهابية الطبيعية، والتي هي المسؤولة عن الإشارات العصبية وحركة العضلات الملساء.
وأضاف الباحثون أن هذا قد يفسر أيضًا كيف يميل التهاب القولون إلى التسبب في الإسهال وحركات الأمعاء المفرطة.