كيف تتهرب بكتيريا الرئة الشائعة من الدفاعات المناعية للجسم؟

يتزايد معدل الإصابة ببكتيريا المتفطرة الخراجية لدى مرضى التليف الكيسي، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وأمراض الرئة المزمنة الأخرى، مما يؤدي إلى تدهور متسارع في وظائف الرئة.
ومن اللافت للنظر أن 58-78% من مرضى المتفطرة الخراجية مصابون أيضًا ببكتيريا الزائفة الزنجارية، وهي العامل الممرض الأكثر شيوعًا في هذه الحالات.
ومع ذلك، لا تزال كيفية تفاعل هذين النوعين من البكتيريا أثناء العدوى غير مفهومة جيدًا.
الآن، كشفت دراسة جديدة أجراها معهد الهندسة الحيوية في كتالونيا (IBEC) وجامعة برشلونة المستقلة (UAB) كيف يمكن للعدوى المشتركة بهذين المرضين الرئويين الشائعين أن تقمع الاستجابات المناعية وتؤدي إلى تفاقم النتائج لدى المرضى الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي.
وباستخدام مزيج من التجارب التي أجريت في المختبر على الخلايا القصبية البشرية والدراسات التي أجريت في الجسم الحي على نماذج الحشرات، أظهر الباحثون أنه عندما تصيب هاتان البكتريا الجسم في نفس الوقت، يصبح الجهاز المناعي أقل فعالية في الاستجابة.
تقدم النتائج، التي نشرت في مجلة Virulence، رؤية جديدة حول سبب صعوبة علاج العدوى المتعددة الميكروبات بشكل خاص ولماذا قد تؤدي إلى مرض أكثر شدة.
يقول إدوارد تورينتس، مؤلف الدراسة: "لقد وجدنا أن M. abscessus و P. aeruginosa يمنعان بشكل متبادل تطور الأغشية الحيوية الفردية لتشكيل أغشية حيوية مختلطة مستقرة".

الأغشية الحيوية
الأغشية الحيوية هي مجتمعات من البكتيريا تتجمع معًا وتفرز مصفوفة واقية تعمل كدرع ضد المضادات الحيوية والجهاز المناعي للمضيف، مما يجعلها سببًا شائعًا للعدوى المزمنة.
وأضاف تورينتس: "في حين أن كل من هذه مسببات الأمراض تشكل خطورة في حد ذاتها، فإن تأثيرها المشترك يخلق بيئة يصبح فيها الجهاز المناعي أقل قدرة على الاستجابة".
وقالت إستر جوليان، ومؤلفة الدراسة، إن النتائج أظهرت أن وجود كلتا البكترييتين معًا أدى إلى انخفاض كبير في إنتاج جزيئات الإشارات المناعية الرئيسية، مما أدى إلى تثبيط الاستجابة الالتهابية للجسم بشكل فعال.
العدوى المشتركة وتطور المرض
أظهرت التجارب التي أُجريت أن الزائفة الزنجارية، عند عملها بمفردها، تُحفز استجابة مناعية قوية.
يشمل ذلك الإفراط في التعبير عن الجزيئات المسببة للالتهابات وتنشيط آليات دفاع الجسم.
ومع ذلك، عند وجود الزائفة الزنجارية إلى جانب المتفطرة الخراجية، تُقمع هذه الاستجابة المناعية بشكل ملحوظ، مما يشير إلى تأثير مثبط للمناعة ناتج عن العدوى المشتركة.
كانت هذه النتائج متسقة عبر خطين من الخلايا الظهارية القصبية، وتم تأكيدها أيضًا باستخدام يرقات جاليريا ميلونيلا، وهو نموذج حيواني يُستخدم على نطاق واسع لدراسة العدوى.
في هذه اليرقات، أدت العدوى المشتركة إلى وفيات أسرع مقارنةً بالعدوى بأيٍّ من مسببات الأمراض وحدها، مما يعزز الاستنتاج بأن قدرة الجهاز المناعي على مكافحة العدوى تضعف في وجود كلا النوعين من البكتيريا.
تقدم الدراسة واحدة من أولى المظاهرات الواضحة لقمع المناعة الناجم عن العدوى المشتركة بـ M. abscessus و P. aeruginosa وتثير المخاوف بشأن كيفية مساهمة مثل هذه العدوى في مقاومة العلاج وانخفاض وظائف الرئة، وخاصة في مرضى التليف الكيسي وأمراض الرئة المزمنة الشديدة الأخرى.
يوضح فيكتور كامبو بيريز، المؤلف الرئيسي للدراسة، قائلاً: "قد تحتاج العلاجات المستقبلية إلى تجاوز المضادات الحيوية لتشمل علاجات مُعدّلة للمناعة لمواجهة استراتيجيات التهرب المناعي التي تستخدمها هذه البكتيريا".
يمكن أن تساعد هذه الأساليب في استعادة استجابة مناعية أكثر توازناً، مما يُحسّن قدرة الجسم على التخلص من العدوى.
وتسلط النتائج الضوء على مدى تعقيد العدوى المتعددة الميكروبات وأهمية فهم كيفية تفاعل مسببات الأمراض ليس فقط مع المضيف، ولكن أيضًا مع بعضها البعض، وتفتح الباب أمام استراتيجيات علاجية جديدة، وخاصة للمرضى المعرضين للخطر والذين يعانون من أمراض الرئة المزمنة.