دور الخلايا الدبقية في إدارة النوم والتمثيل الغذائي

الاستتباب الداخلي هو قدرة الكائنات الحية على الحفاظ على ظروف داخلية مستقرة، مثل درجة الحرارة، والترطيب، ومستويات السكر في الدم، بغض النظر عن أي تغيرات في محيطها.
كما تنظم آليات الاستتباب الداخلي السلوكيات الأساسية لبقاء الأنواع الحيوانية، مثل النوم والراحة وتناول الطعام.
أجرى باحثون مؤخرًا دراسة تهدف إلى فهم أفضل للأسس العصبية لسلوك الراحة والنوم والتغذية لدى ذباب الفاكهة (Drosophila melanogaster).
تسلط النتائج التي نشرت في مجلة Nature Neuroscience الضوء على الدور الرئيسي للخلايا الدبقية، وهي خلايا غير عصبية في الدماغ والجهاز العصبي ذات وظائف متخصصة مختلفة، في تنظيم هذه الآليات الحيوية في ذباب الفاكهة، مما يشير إلى أنها تعمل كمنظمات استقلابية.

فهم ضرورة النوم
ونقل موقع ميديكال إكسبريس عن أندريس فلوريس فالي، المؤلف الرئيسي للدراسة، قوله: "يقضي البشر حوالي ثلث حياتهم نائمين، ومع ذلك ما زلنا لا نفهم تمامًا ضرورة النوم".
وأضاف: "يهدف بحثنا إلى الإجابة على هذا السؤال من خلال دراسة ذباب الفاكهة، الذي على الرغم من امتلاكه أدمغة أبسط بكثير، إلا أنه ينام أيضًا، فبساطته وأدواته الجينية القوية تجعله مثاليًا لفهم الوظائف الأساسية للنوم".
في إطار دراستهم الحديثة، شرع فلوريس فالي وزملاؤه تحديدًا في الكشف عن إشارة دماغية تتتبع الحاجة إلى النوم (أي توازن النوم) لدى ذباب الفاكهة.
من المتوقع أن تزداد هذه الإشارة مع ازدياد تعب الذبابة وعودتها إلى وضعها الطبيعي بعد فترة من النوم المريح.
أوضح فلوريس فالي: "إن فهم آليات توازن النوم قد يُقدم إجاباتٍ عن ضرورة النوم".
وأضاف: "استخدمنا التصوير الحيوي لتسجيل نشاط الخلايا الدبقية والعصبية في الذبابات اليقظة والنائمة تحت المجهر، ولتحقيق ذلك، حافظنا على راحة الذباب وقمنا بإطعامه كل بضع ساعات باستخدام روبوت، قمنا بذلك على مدار عدة أيام، مما سمح له بالنوم بشكل طبيعي تحت المجهر".
في تجاربهم، فحص الباحثون نوعين مختلفين من الخلايا الدبقية، يُعرفان بالخلايا الدبقية الشبيهة بالخلايا النجمية والخلايا الدبقية المغلفة.
يُعرف النوع الأول بوظائف مشابهة للخلايا النجمية، مما يساعد على الحفاظ على بيئة كيميائية مستقرة في الدماغ، أما النوع الثاني فهو خلايا تلتف حول المحاور العصبية، مما يساهم في تجديدها وإزالة بقايا المحاور أو الخلايا التالفة.
يُذكر أن فلوريس فالي وزملاؤه كانوا أول من سجّل نشاط دماغ الذباب لفترات طويلة، مع ضمان راحته أثناء الراحة، وقد أتاحت لهم الأساليب التجريبية التي استخدموها في النهاية مراقبة الحشرات بشكل متقطع أثناء نومها واستيقاظها.
قال فلوريس فالي: "وجدنا أن الخلايا الدبقية تتتبع حاجة النوم من خلال إشارات الكالسيوم التي ترتفع أثناء اليقظة وتعود إلى حالتها الطبيعية مع النوم، والمثير للدهشة أننا اكتشفنا أن الخلايا العصبية التي يُعتقد أنها تُحفز النوم تتتبع حاجة الطعام، حيث يزداد النشاط حتى تأكل الذبابة".
وأضاف: "لقد وجدنا أيضًا أن نشاط الكالسيوم الدبقي مرتبط بالتمثيل الغذائي، مما يساعد على إزالة ثاني أكسيد الكربون وتنظيم درجة الحموضة، مما يشير إلى أن النوم قد يكون ضروريًا لاستعادة التوازن الأيضي".
تُظهر النتائج التي جمعها الباحثون أن الخلايا الدبقية تستجيب للإشارات الأيضية، وأن هذه الاستجابات تؤثر على نشاط الكالسيوم فيها.
بشكل عام، تربط هذه النتائج نشاط الخلايا الدبقية بالحالات الأيضية وتنظيم النوم. وفي المستقبل، قد تُلهم هذه النتائج المزيد من الأبحاث التي تُركز على مساهمة الخلايا الدبقية في النوم، مما قد يُحسّن فهمنا للنوم والاضطرابات الأيضية.
ستسعى دراساتنا القادمة إلى كشف كيفية تحفيز الخلايا الدبقية للانتقال من اليقظة إلى النوم، وهو سؤال محوري لا يزال دون إجابة.
وأضاف فلوريس فالي: "نعتقد أن ارتفاع نشاط الكالسيوم في الخلايا الدبقية بعد اليقظة المطولة يساعد على بدء النوم ، ولكن آلية عمل الإشارة عبر الدماغ لا تزال مجهولة".