الإثنين 16 يونيو 2025 الموافق 20 ذو الحجة 1446
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر

من خلال التحمل الفموي.. كيف يمكن تناول الأطعمة المختلفة دون حساسية؟

الثلاثاء 03/يونيو/2025 - 03:30 م
الحساسية
الحساسية


إذا كنا نعاني من حساسية تجاه الفول السوداني أو الفراولة أو منتجات الألبان، فغالبًا ما نلقي باللوم على جهازنا المناعي.

لكن عندما نستمتع بنظام غذائي متنوع دون أي آثار جانبية، فإننا لا ندرك عادةً أن هذا أيضًا من فعل جهازنا المناعي.

إن تحررنا السعيد من اعتبار شرائح اللحم أو الملفوف - وهي مواد غريبة في جوهرها - أجسامًا دخيلة، يعود إلى آلية المناعة المعروفة باسم "التحمل الفموي".

ورغم أن هذا التحمل ضروري لبقائنا، إلا أن آلياته الدقيقة ظلت بعيدة المنال، رغم سنوات من البحث.

الآن، حلّت دراسةٌ نُشرت في مجلة Nature، أجراها فريق الدكتورة رانيت كيدمي في معهد وايزمان للعلوم، مفارقةً قديمةً تتعلق بالتحمل الفموي، وكشفت عن الشبكة الخلوية المسؤولة.

قد تساعد هذه النتائج الباحثين على فهم اختلالات هذه الشبكة، التي تُشكّل أساس حساسية الطعام واضطراباته، مثل مرض الاضطرابات الهضمية.

تطور تحمّل الطعام

يبدأ تحمّل الطعام بالتطور في الرحم، حيث يتعرض جهاز المناعة لدى الجنين لمواد مشتقة من الطعام الذي تتناوله الأم.

يستمر هذا التحمّل في النضج أثناء الرضاعة ومع بدء الطفل بتناول الأطعمة الصلبة، وكذلك من خلال التفاعلات مع بكتيريا الأمعاء المفيدة، التي تُنتج مسببات الحساسية المحتملة الخاصة بها والتي يجب على جهاز المناعة أن يتعلم تجاهلها.

لسنوات، كان يُعتقد أن تحمل الطعام يُدار بواسطة خلايا مناعية تُسمى الخلايا الشجيرية.

هذه الخلايا، التي نال مكتشفها، رالف شتاينمان، جائزة نوبل عام 2011، هي الموجه الرئيسي لهجمات الجهاز المناعي.

في حالة العدوى، تقوم هذه الخلايا بتقطيع الميكروبات وتقديم أجزائها إلى خلايا أخرى، مما يُحفز هجومًا من الجهاز المناعي.

لكن الرأي السائد حول التحمّل الفموي كان أنه بعد فحص الطعام المهضوم، يُمكن لهذه الخلايا صد هذا الهجوم، مُصدرةً تعليماتٍ للخلايا المناعية بالتوقف عن العمل وكبت أي نشاط.

الغريب أنه عندما استبعد الباحثون المجموعة الفرعية المشتبه بها من الخلايا الشجيرية في النماذج الحيوانية، استمر التحمّل الفموي في التطور.

في دراستهم الجديدة، أظهر فريق كيدمي في قسم مناعة الأنظمة بجامعة وايزمان، بقيادة آنا رودنيتسكي، أن خلايا ROR-gamma-t، وليس الخلايا الشجيرية التقليدية، هي التي تُفعّل آلية التحمّل.

عندما أزال رودنيتسكي قدرة هذه الخلايا تحديدًا على تقديم جزيئات الطعام للجهاز المناعي لدى الفئران، أصيبت هذه الحيوانات بحساسية غذائية بسرعة.

بعد ذلك، سعى رودنيتسكي وفريقه إلى فك شفرة آلية التحمّل الفموي بالكامل، ومن خلال التلاعب بالجينات بشكل انتقائي واستبعاد أنواع مختلفة من الخلايا لدى الفئران، ثم باستخدام أدوات جينية متطورة ومجهر، لمراقبة الاستجابات الخلوية للطعام، حدد الباحثون شبكة منسقة من أربعة أنواع من الخلايا، وهي ضرورية لمنع الاستجابات المناعية للطعام.

يتم إنشاء هذه الشبكة بواسطة خلايا ROR-gamma-t، ويتم نقل إشاراتها من خلال نوعين آخرين من الخلايا لقمع النوع الرابع في نهاية المطاف: خلايا CD8 القتالية في الجهاز المناعي، والتي عادة ما تكون مهمتها قتل الخلايا المصابة أو إثارة الالتهاب ضد التهديدات المتصورة.

اختبر الباحثون قدرة الفئران على تطوير مناعة ضد ميكروب يُعبّر عن بروتين سبق أن حدده جهاز المناعة لدى الفئران كغذاء، وكشفوا عن آلية ملحوظة: عند مواجهة تهديد، أوقفت أجهزة المناعة لدى الفئران برنامج التحمّل مؤقتًا، مستخدمةً خلايا CD8 لمكافحة العدوى. ولم تُمكّن الشبكة الخلوية برنامج التحمّل من استئنافه إلا بعد زوال العدوى.

اكتشف فريق كيدمي شبكة خلوية متطورة وديناميكية تُمكّن الجهاز المناعي من منع الاستجابات الالتهابية للطعام، مع الحفاظ في الوقت نفسه على مناعة ضد العدوى.

يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة واعدة للبحث في اختلالات آلية تحمل الطعام التي تُؤدي إلى الحساسية والأمراض.