تحديد جينات رئيسية تسبب أمراضًا معقدة

قام علماء الفيزياء الحيوية بجامعة نورث وسترن بتطوير أداة حسابية جديدة لتحديد مجموعات الجينات التي تسبب أمراضًا معقدة مثل السكري والسرطان والربو.
بخلاف الاضطرابات الجينية المفردة، تتأثر هذه الحالات بشبكة من جينات متعددة تعمل معًا، لكن العدد الهائل من التركيبات الجينية المحتملة ضخم، مما يجعل من الصعب للغاية على الباحثين تحديد التركيبات الجينية المحددة التي تسبب المرض.
باستخدام نموذج ذكاء اصطناعي توليدي، تُضخّم الطريقة الجديدة بيانات التعبير الجيني المحدودة، مما يُمكّن الباحثين من تحليل أنماط النشاط الجيني المُسببة لصفات مُعقدة.
قد تُؤدي هذه المعلومات إلى علاجات جديدة وأكثر فعالية للأمراض تتضمن أهدافًا جزيئية مرتبطة بجينات مُتعددة.
نُشرت الدراسة، التي تحمل عنوان "التنبؤ التوليدي لمجموعات الجينات السببية المسؤولة عن السمات المعقدة"، في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.
وقال أديلسون موتر، المؤلف الرئيسي للدراسة: "يتم تحديد العديد من الأمراض من خلال مجموعة من الجينات - وليس جين واحد فقط".

الأساليب الحالية غير كافية
لعقود، كافح الباحثون لكشف الأسس الجينية للصفات والأمراض البشرية المعقدة، حتى الصفات غير المرضية، كالطول والذكاء ولون الشعر، تعتمد على مجموعات من الجينات.
تحاول الأساليب الحالية، مثل دراسات الارتباط على مستوى الجينوم، اكتشاف جينات فردية مرتبطة بسمة معينة، لكنها تفتقر إلى القدرة الإحصائية اللازمة لاكتشاف التأثيرات الجماعية لمجموعات الجينات.
وأضاف موتر: "أظهر لنا مشروع الجينوم البشري أننا نملك ستة أضعاف عدد الجينات الموجودة في بكتيريا وحيدة الخلية".
لكن البشر أكثر تطورًا بكثير من البكتيريا، وعدد الجينات وحده لا يفسر ذلك، وهذا يُبرز شيوع العلاقات متعددة الجينات، وأن التفاعلات بين الجينات هي التي تُؤدي إلى نشوء الحياة المعقدة.
وقال الباحثون: "لا يزال تحديد الجينات الفردية أمرًا بالغ الأهمية، لكن لا يوجد سوى جزء ضئيل جدًا من السمات الملحوظة، أو الأنماط الظاهرية، التي يمكن تفسيرها بتغيرات في جينات مفردة، بدلًا من ذلك، نعلم أن الأنماط الظاهرية هي نتيجة عمل العديد من الجينات معًا، وبالتالي، من المنطقي أن تساهم جينات متعددة عادةً في تباين السمة".
وللمساعدة في سد الفجوة المعرفية طويلة الأمد بين التركيب الجيني (النمط الجيني) والسمات الملحوظة (النمط الظاهري)، قام فريق البحث بتطوير نهج متطور يجمع بين التعلم الآلي والتحسين.
يُطلق على هذا النموذج اسم "المُشفِّر التلقائي المتغير الشرطي على مستوى النسخ الكامل" (TWAVE)، وهو يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحديد الأنماط من بيانات محدودة للتعبير الجيني لدى البشر، وبالتالي، يُمكنه محاكاة الحالات الصحية والمرضية، بحيث تُطابق التغيرات في التعبير الجيني التغيرات في النمط الظاهري.
بدلاً من دراسة تأثيرات الجينات الفردية بمعزل عن بعضها البعض، يحدد النموذج مجموعات الجينات التي تُسبب مجتمعةً ظهور سمة معقدة، ثم تستخدم هذه الطريقة إطار عمل للتحسين لتحديد التغيرات الجينية المحددة التي يُرجح أن تُغير حالة الخلية من سليمة إلى مريضة أو العكس.
قال الباحثون: "نحن لا ننظر إلى تسلسل الجينات، بل إلى التعبير الجيني. دربنا نموذجنا على بيانات من التجارب السريرية، لنعرف أي أنماط التعبير الجيني سليمة أو مريضة، بالنسبة لعدد أقل من الجينات، لدينا أيضًا بيانات تجريبية توضح كيفية استجابة الشبكة عند تفعيل الجين أو إيقافه، ويمكننا مطابقتها مع بيانات التعبير الجيني لتحديد الجينات المسؤولة عن المرض".
للتركيز على التعبير الجيني فوائد عديدة، أولًا، يتجاوز قضايا خصوصية المرضى، فالبيانات الجينية - تسلسل الحمض النووي الفعلي للشخص - فريدة بطبيعتها، وتوفر صورة شخصية للغاية عن الصحة والاستعدادات الوراثية والعلاقات الأسرية.
من ناحية أخرى، تُشبه بيانات التعبير الجيني لقطة ديناميكية للنشاط الخلوي، وثانيًا، تُراعي بيانات التعبير الجيني ضمنيًا العوامل البيئية ، التي قد تُحسّن الجينات أو تُقللها لأداء وظائف مُختلفة.
قال الباحثون: "قد لا تؤثر العوامل البيئية على الحمض النووي، لكنها تؤثر بالتأكيد على التعبير الجيني، لذا، يتميز نموذجنا بميزة مراعاة العوامل البيئية بشكل غير مباشر".
الطريق إلى العلاج الشخصي
لإثبات فعالية TWAVE، اختبره الفريق على عدة أمراض معقدة.
نجحت الطريقة في تحديد الجينات - التي أغفلت بعض الطرق الحالية اكتشافها - المسببة لتلك الأمراض.
كشفت دراسة TWAVE أيضًا أن مجموعات مختلفة من الجينات قد تُسبب نفس المرض المعقد لدى أشخاص مختلفين.
وتشير هذه النتيجة إلى إمكانية تصميم علاجات شخصية تناسب العوامل الوراثية المسببة للمرض لدى كل مريض.
قال الباحثون: "قد يتجلى المرض بشكل متشابه لدى شخصين مختلفين، ولكن، من حيث المبدأ، قد تختلف مجموعة الجينات المؤثرة لدى كل شخص بسبب الاختلافات الجينية والبيئية ونمط الحياة، ويمكن لهذه المعلومات أن تُوجِّه العلاج المُخصَّص".