ما السبب وراء انسداد الأوعية الدموية في مرض كوفيد-19؟

تمكن فريق بحثي من تحديد تمزق خلايا الدم الحمراء في مواقع الخلايا البطانية الميتة كمحرك أساسي لانسداد الأوعية الدموية الدقيقة في مرض كوفيد-19، متجاوزًا الدور المتوقع لجلطات الفيبرين والصفائح الدموية.
ظهرت حالات إصابة بالغة لأصغر الأوعية الدموية في الجسم خلال جائحة كوفيد-19، متورطة في فشل مفاجئ في الأعضاء وأعراض مستمرة تمتد لأشهر.
تكشف أنسجة المرضى المصابين عن تلف واسع النطاق في الأوعية الدموية في الرئة والقلب والكلى والكبد.
لقد واجهت النماذج القياسية للخثرات، وهي جلطات دقيقة وعائية تتشكل من الفيبرين والصفائح الدموية، صعوبة في تفسير مدى خلل الشعيرات الدموية، ولم تُظهر علاجات مضادات التخثر سوى فائدة متواضعة، مما يزيد من احتمال أن اعتلال الأوعية الدقيقة المرتبط بكوفيد-19 يتبع آلية مختلفة.

تفاصيل الدراسة
في الدراسة التي نُشرت في مجلة Nature بعنوان "نخر الخلايا البطانية الإقفاري يسبب انحلال الدم واعتلال الأوعية الدموية المرتبط بكوفيد-19" ، صمم الباحثون نماذج تصويرية متعددة الوسائط ونماذج وراثية لتحديد ما إذا كان انحلال خلايا الدم الحمراء، وليس الخثار، هو المسؤول عن الانسداد الدقيق للأوعية الدموية.
استُخدمت أنسجة تشريح جثث مرضى كوفيد-19 لتقييم أكثر من 1000 وعاء دموي من الرئتين والقلب والكلى والكبد، واستُبعدت العينات التي تُظهر تحللًا بعد الوفاة.
أظهر التصوير فقدانًا واسع النطاق لعلامات سطح الخلايا البطانية وسلامة الخلايا.
وظهر موت الخلايا بشكل أكثر شيوعًا في الأعضاء التي تعاني من إصابة أنسجتها الشديدة، وخاصةً القلب والكبد والكلى.
وأظهرت ما يصل إلى 50% من الأوعية الدموية علامات انفصال الخلايا البطانية.
كشف الفحص النسيجي والمجهر الإلكتروني عن مادة لاخلوية غنية بالبروتين مترسبة على جدران الأوعية الدموية.
أظهرت هذه المادة تصبغًا قويًا لـ CD235، وهو مؤشر على غشاء خلايا الدم الحمراء، ولكنها لم تُظهر تصبغًا للفيبرين أو الصفائح الدموية أو الحمض النووي.
تراكمت أغشية خلايا الدم الحمراء المتحللة حول البطانة الغشائية الميتة، وانحشرت بين خلايا الدم الحمراء السليمة.
في الرئتين، كان هذا النمط نادرًا، أما في الكبد والكلى والقلب، فقد ظهر ترسب غشائي في 27-30% من الأوعية.
أظهرت أنسجة كوفيد-19 انحلالًا أكثر تواترًا لخلايا الدم الحمراء مقارنةً بالمجموعة الضابطة المُطابقة المصابة بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة غير المرتبطة بكوفيد.
أظهرت عينات التشريح المأخوذة من مرضى غير مصابين بكوفيد-19، مصابين باحتشاء عضلة القلب والسكتة الدماغية ونقص تروية الأمعاء، نفس نمط نخر الخلايا البطانية لدى مرضى كوفيد-19، وترسب غشاء خلايا الدم الحمراء، وانسداد الأوعية الدموية الدقيقة.
ظهر انحلال كريات الدم الحمراء في ما يصل إلى 45% من الأوعية الدموية الدقيقة في الكلى والكبد والقلب، مع إصابة طفيفة في الرئتين.
وقد أكد التصوير الارتباطي ورسم خرائط شدة الإصابة وجود ارتباط مكاني بين إصابة الخلايا البطانية وشظايا الغشاء الناتجة عن تمزق خلايا الدم الحمراء.
وفي الأنسجة من المرضى غير المصابين بكوفيد-19 والذين يعانون من احتشاء عضلة القلب والسكتة الدماغية ونقص تروية الأمعاء، لوحظ نمط مماثل من موت الخلايا البطانية وانحلال خلايا الدم الحمراء.
في نماذج الفئران، أدى نقص التروية وحده إلى تحفيز موت الخلايا البطانية، والذي تميز بفوسفوريل MLKL وRIPK3، إلى جانب تحلل خلايا الدم الحمراء بوساطة المكمل.
انحلال دموي طفيف
أدت عدوى فيروس كورونا المستجد (SARS-CoV-2) إلى انحلال دموي طفيف في الأعضاء خارج الرئة.
أدى حذف جين Mlkl في الخلايا البطانية إلى تقليل تجزئة خلايا الدم الحمراء، وانسداد الأوعية الدموية الدقيقة، وتلف الأعضاء.
في الفئران التي تعاني من نقص C9، تم أيضًا تثبيط انحلال خلايا الدم الحمراء، مما يؤكد ضرورة تنشيط المتمم.
كشف الفحص المجهري الحيوي المباشر أن أغشية خلايا الدم الحمراء المتحللة تلتصق بالبطانة المتنخرة، متراكمةً في طبقات تُعيق تدفق الدم.
تكوّنت هذه الرواسب داخل الأوعية الدموية بشكل مستقل عن الصفائح الدموية أو الفيبرين.
في الفئران التي تفتقر إلى وظيفة MLKL أو وظيفة المكمل، ازداد النزيف الموضعي، مما يشير إلى ترسب أغشية خلايا الدم الحمراء كحاجز هيكلي لوقف النزيف.
وقد حُثّ تجمع خلايا الدم الحمراء السليمة بواسطة الأغشية المتحللة، وحدث ذلك حصريًا في ظروف قص منخفضة.
في المختبر، كانت شظايا خلايا الدم الحمراء وحدها كافية لتحفيز الالتصاق والتجمع في غياب الصفائح الدموية أو الكريات البيضاء أو البلازما.
تحسنت التروية وانخفضت إصابة الأنسجة لدى الفئران التي تفتقر إلى MLKL البطاني، وهو ما يتفق مع دور انحلال الدم الناتج عن موت الخلايا المبرمج في تعزيز انسداد الأوعية الدموية.
خلص الباحثون إلى أن موت الخلايا البطانية يبدأ سلسلة من العمليات التي تؤدي إلى تمزق خلايا الدم الحمراء القريبة بسبب تنشيط المكمل.
تُشكّل شظايا هذه الخلايا المُحلّلة حاجزًا ماديًا على جدران الأوعية الدموية المُصابة، مما يمنع النزيف الخلالي في الحالات التي تضعف فيها الصفائح الدموية والفيبرين.
ومع ذلك، عندما تُبالغ هذه الاستجابة، تتراكم المادة نفسها مُشكّلةً تكتلاتٍ مُعيقةً تُعيق تدفق الدم.
تشير النتائج إلى أن موت الخلايا المبرمج والمتمم يُشكلان معًا آليةً للتحكم في الأوعية الدموية الدقيقة تعتمد على خلايا الدم الحمراء، وهي آلية تعمل بشكل مستقل عن مسارات التخثر التقليدية، وقد أدى تثبيط MLKL أو المتمم إلى تقليل انسداد الأوعية الدموية وتحسين تروية الأنسجة، ولكنه زاد أيضًا من خطر النزيف، مما يكشف عن توازن بين الحماية ووقف النزيف.
وكتب المؤلفون: "تشير دراساتنا إلى وجود آلية لوقف النزيف في خلايا الدم الحمراء بسبب موت الخلايا البطانية، والتي تعمل بشكل مستقل عن الصفائح الدموية والفيبرين".
وأضافوا: "إن الاستهداف العلاجي لهذه العملية الانحلالية قد يقلل من انسداد الأوعية الدموية الدقيقة في مرض كوفيد-19، وغيره من الأمراض البشرية الرئيسية المرتبطة بنقص تروية الأعضاء".