أداة تصوير جديدة قد تُحدث تحولًا في جراحة سرطان الدماغ

في خطوة مهمة نحو جراحة السرطان الناجحة، نجح باحثون في تطوير مسبار تصوير جديد لمساعدة الجراحين على تحديد الأورام العدوانية وإزالتها بشكل أكثر دقة أثناء العمليات الجراحية.
من المتوقع أن تُمثل هذه الأداة تقدمًا بالغ الأهمية في مكافحة الورم الأرومي الدبقي، أحد أصعب أنواع سرطانات الدماغ علاجًا.
ومن المقرر مستقبلًا توسيع نطاقها لتشمل الجراحة الموجهة بالصور لمختلف الأورام الصلبة الأخرى.
وُصف هذا الابتكار في دراسة جديدة نُشرت في مجلة npj Imaging، ويعمل عن طريق دمج صبغة فلورية مع جزيء حمض دهني تمتصه خلايا السرطان بسهولة.
عند إدخاله إلى الجسم، تمتص خلايا الورم هذا المركب، مما يجعلها تتوهج تحت ضوء الأشعة تحت الحمراء القريب ، كاشفةً عن السرطان الذي قد يبقى مخفيًا لولا ذلك.

الورم الأرومي الدبقي
يُعتبر الورم الأرومي الدبقي غير قابل للشفاء جراحيًا لأنه لا يبقى في مكان واحد، بل ينتشر ويغزو أنسجة الدماغ السليمة بشكل مجهري ومنتشر.
هذا يجعل إزالته تمامًا مستحيلة دون المخاطرة بإلحاق ضرر جسيم بوظائف الدماغ.
قالت إيلينا غون، أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة: "لا تزال الجراحة أحد العلاجات الأساسية للعديد من أنواع السرطان".
وأضافت: "في سرطان الثدي أو البروستاتا، غالبًا ما يتمكن الجراحون من إزالة الورم مع الأنسجة المحيطة به، أما في سرطان الدماغ، فهذا ببساطة غير ممكن، يجب الحفاظ على أنسجة الدماغ السليمة، ولكن حتى لو تُركت بضع خلايا سرطانية، فسيعود المرض".
تتفاقم هذه المعضلة بشكل خاص مع الورم الأرومي الدبقي، الذي لا يُشكّل كتلةً مُحكمة الاحتواء. بل يُرسل امتدادات مجهرية - نتوءات تشبه الأصابع، تتداخل مع أنسجة المخ السليمة، ولا تُرى بالعين المجردة.
لهذا السبب، يجب على الجراحين اتباع نهج دقيق، بإزالة أكبر قدر ممكن من الورم مع تجنب الإضرار بمناطق الدماغ الحيوية.
كلما تمت إزالة الورم بدقة أكبر، زادت فعالية العلاجات اللاحقة، مثل الإشعاع والعلاج الكيميائي.
صُمم المسبار الجزيئي الصغير الجديد، المعروف باسم FA-ICG، لحل هذه المشكلة، فهو يربط حمضًا دهنيًا طبيعيًا طويل السلسلة (FA) بصبغة الإندوسيانين الأخضر (ICG)، وهي صبغة قريبة من الأشعة تحت الحمراء معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، تُستخدم على نطاق واسع في التصوير الجراحي.
هذا النهج القائم على الأحماض الدهنية يعني أن المسبار انتقائي للغاية: إذ تمتص خلايا الورم الأرومي الدبقي، التي تتغذى على الأحماض الدهنية، هذه الأحماض أكثر من خلايا الدماغ الطبيعية، وهذا يجعل السرطان أكثر وضوحًا.
النتيجة هي أداة تستفيد من عملية التمثيل الغذائي المتغيرة للسرطان لتسليط الضوء على الخلايا السرطانية من الداخل.
أوضحت غون: "سيشاهد الجراحون شاشةً أثناء الجراحة تُظهر مكان إضاءة المسبار، إذا استمروا في رؤية إشارات فلورية، فهذا يعني أن السرطان لا يزال موجودًا وأن هناك حاجة لإزالة المزيد من الأنسجة، وعندما يختفي الضوء، سيعلمون أنهم أزالوا المنطقة المصابة."
في غرفة العمليات، يستخدم الجراحون بالفعل مجموعة متنوعة من الأدوات لتوجيه عملية إزالة الورم، بما في ذلك المجاهر والموجات فوق الصوتية والأصباغ الفلورية.
من بين هذه الأدوات، تُعد الأصباغ الفلورية مفيدة بشكل خاص لأنها تجعل خلايا الورم، التي كانت تبدو غير مرئية في السابق، تضيء تحت إضاءة خاصة.
حاليًا، صبغة التصوير الوحيدة المعتمدة لجراحة أورام الدماغ هي 5-ALA، التي تتألق تحت الضوء الأزرق. إلا أن 5-ALA لها قيود كبيرة: يجب تعتيم غرفة العمليات لرؤيتها، ونفاذيتها للأنسجة سطحية، وإشارة الفلورسنت غالبًا ما تكون ضعيفة وغير محددة.
كما أنها تأتي مع آثار جانبية، وأبرزها الحساسية للضوء، مما يعني أن المرضى يجب أن يتجنبوا التعرض للضوء الساطع بعد الجراحة بسبب خطر تلف الجلد والعين.
وهنا يبرز دور مسبار FA-ICG - حرفيًا ووظيفيًا.
مقارنةً بـ 5-ALA، يتميز FA-ICG بإضاءة أكثر سطوعًا، ويعمل تحت إضاءة جراحية عادية، ويوفر رؤية فورية تحت المجهر - دون الحاجة لإطفاء الأضواء أثناء الجراحة.
هذا يوفر الوقت ويزيد من كفاءة الإجراءات، كما أن نسبة الإشارة إلى الخلفية أعلى، مما يُسهّل التمييز بين أنسجة الورم والدماغ السليم.
مسبار FA-ICG ليس أسهل رؤيةً فحسب، بل أسهل استخدامًا أيضًا.
يتيح عمره النصفي الأطول مرونةً أكبر في جدولة العمليات الجراحية، كما أن إجراءات الإعطاء أبسط من المسبارات الحالية.
وقال مايكل تشيكوين، جراح الأعصاب إن التصوير بالرنين المغناطيسي يعد حاليا المعيار الذهبي لتصوير الأورام، إلا أنه مكلف ويستغرق وقتا طويلا، خاصة عندما يكون مطلوبا أثناء العملية الجراحية.
وأضاف: "هذه الأداة الفلورية المرتبطة بالأيض تُتيح لك تصويرًا آنيًا. يُمكننا دمج التقنيات، باستخدام المسبار أثناء الجراحة، وحفظ صور الرنين المغناطيسي لفحص نهائي. إنه بلا شك تقدمٌ مثير".
ويشعر الباحثون بالحماس أيضًا لاستخدامات أخرى للمسبار، بما في ذلك أنواع أخرى من السرطان والاستخدام أثناء العلاجات المتابعة.
ومن المتوقع أن تبدأ التجارب السريرية لاستخدامها في حالات الورم الأرومي الدبقي في أوروبا، مع تزايد الاهتمام القوي بالفعل بين فرق جراحة الأعصاب.