كيف تتحول أورام المبيض الحميدة إلى أورام غازية؟

سرطان المبيض المصلي منخفض الدرجة (LGSC) يُمثل ما بين 5% و10% فقط من جميع سرطانات المبيض الظهارية، إلا أن تركيبته البيولوجية المميزة تجعل علاجه صعبًا للغاية.
ورغم عدم تحديد أصل هذا المرض، يُشخص العديد من المرضى في البداية بآفات غير باضعة، أو ما يُسمى بالأورام الحدية المصلية.
عادةً ما تُعالج هذه الأورام بنجاح بالجراحة، إلا أنها في بعض الحالات تعود كخلايا جذعية من نوع LGSC غازية، وبالتالي تتطور إلى مرض يهدد الحياة، ولا تزال الآليات الكامنة وراء هذا التحول غير واضحة إلى حد كبير.
يوضح إرنست لينجيل، وهو أخصائي أورام، قائلاً: "بالنسبة لأطباء أورام النساء، يُعد سرطان المبيض المصلي النقيلي منخفض الدرجة من أصعب أنواع السرطانات علاجًا، إذ يكون المرضى صغارًا عند الإصابة به، كما أنه مقاوم للعلاج الكيميائي، وقد كان هدفنا رسم خريطة طريق واضحة لكيفية تطور هذه الأورام وتطورها، لإيجاد أهداف علاجية ملموسة يمكننا متابعتها في التجارب السريرية ".

رسم خريطة لبنية الورم
لمعالجة هذا السؤال الجوهري، تعاون علماء من مجموعة البحث بقيادة ماتياس مان، الرائد في مجال تحليل البروتينات المكانية باستخدام مطياف الكتلة، مع فريق لينجيل.
حلل الباحثون عينات من أنسجة المرضى في مراحل مختلفة من المرض، بدءًا من الأورام الحدية المصلية الحميدة، وصولًا إلى الآفات المتوسطة المحتملة، وصولًا إلى الخلايا الجذعية الشبيهة بالخلايا الجذعية الغازية ونقائلها.
استُخدم التشريح المجهري، وهو تقنية ليزر عالية الدقة، لاستخراج خلايا الورم وخلاياه من بيئته المحيطة، وباستخدام تقنيات التعلم الآلي ومطياف الكتلة فائق الحساسية، تم إنشاء بصمات بروتينية لكل نوع من الخلايا. البصمات البروتينية هي تركيبات بروتينية محددة وقابلة للتمييز، مما يسمح باستخلاص استنتاجات حول العمليات البيولوجية الكامنة.
هذا النهج المتطور، المعروف باسم التحليل البصري العميق للبروتينات، يُنشئ خرائط جزيئية لآلاف البروتينات.
ولإكمال هذه النتائج، دمجت الدراسة، ولأول مرة، التحليلات المكانية للبروتينات والحمض النووي الريبوزي (RNA).
بفضل هذه الاستراتيجية، تمكن الباحثون من تحديد مسارات الإشارات المتغيرة بدقة في أنسجة الورم، وتحديد كيفية تفاعل خلايا الورم مع بيئتها.
قدّمت تحليلات البروتين مزيدًا من الرؤى حول انتقال الأورام غير الغازية إلى الأورام الغازية، وكشفت عن علامات مبكرة لتطور خبيث في المراحل المتوسطة، وهي ما يُسمى بالأورام الحليمية الدقيقة.
نُشرت الدراسة في مجلة Cancer Cell .
يقول مان: "تُظهر هذه الدراسة القدرة التحويلية لتحليل البروتينات المكانية القائم على التصلب اللويحي في أبحاث السرطان، فمن خلال رسم خرائط لآلاف البروتينات بدقة خلية واحدة، يُمكننا الآن تصوّر كيفية تطور الأورام آنيًا داخل بيئتها النسيجية، وهذا المستوى من التفصيل الجزيئي يفتح آفاقًا جديدة كليًا لتطوير علاجات مُستهدفة بناءً على نقاط الضعف المُحددة التي نكتشفها في كل نوع من أنواع السرطان".
لم تكتفِ هذه التقنية الجديدة بكشف آليات جديدة، بل حددت بدقة عوامل جزيئية جديدة تُحرك تطور الورم.
توضح ليزا شفايزر، المؤلفة الرئيسية: "من خلال تحديد ملامح المرض بدقة مكانية عالية، تمكنا من تتبع كيفية تطور هذه الأورام على طول مسار الخباثة وتفاعلها مع بيئتها، ومن النتائج اللافتة للنظر وجود بروتينات تؤدي وظائف حيوية في الجهاز العصبي المركزي".
يُعدّ بروتين NOVA2 جزءًا من مجموعة بروتينات تُمثّل مؤشرات جديدة لتطور الورم حددها الباحثون.
ولتأكيد نتائجهم، عمل الباحثون على خلايا بشرية في مزرعة، مُولّدين بيئة اصطناعية لنمو الخلايا.
وبإزالة هذه البروتينات من الخلايا، وجد الفريق أنها أثّرت بشكل كبير على قدرة خلايا الورم على التكاثر وغزو الأنسجة السليمة.
نهج علاجي جديد لسرطان الخلايا الحرشفية
بخلاف سرطانات المبيض عالية الدرجة والأكثر عدوانية، تنمو الخلايا الجذعية من نوع LGSC ببطء، لكنها تتسلل بعمق إلى الأنسجة السليمة، مما يؤدي غالبًا إلى انتكاسات متأخرة وخيارات علاجية محدودة.
عادةً ما تُظهر أنظمة العلاج الكيميائي الحالية معدلات استجابة ضئيلة لدى مرضى الخلايا الجذعية من نوع LGSC.
حتى الآن، كانت الآليات الجزيئية التي تُحفز تطورها غير مفهومة جيدًا، مما ترك الأطباء أمام بدائل قليلة.
بالاعتماد على البيانات الجزيئية من خرائطهم المكانية، حدد الباحثون 16 هدفًا دوائيًا محتملًا، وقيّموا تأثيرها العلاجي في نماذج الخلايا البشرية. من بينها، اختبروا علاجًا مركبًا جديدًا: ميلسيكليب مقترنًا بميرفيتوكسيماب.
في حين أن ميلسيكليب يثبط تكاثر الخلايا، فإن ميرفيتوكسيماب ينقل حمولة سامة إلى الخلايا التي تُعبّر عن بروتين FOLR1 على سطحها، ليعمل كآلية استهداف.
في نماذج الفئران، خفّض هذا العلاج بشكل كبير عبء الورم، مما منح أملًا جديدًا لمرضى السرطان المقاوم للعلاج الكيميائي.
في حين لا تزال هناك حاجة إلى تجارب سريرية لتقييم سلامة وفعالية العلاج المقترح لدى المرضى، تُمثل النتائج تقدمًا ملحوظًا في فهم الخلايا الجذعية الشبيهة بالخلايا الجذعية.
وبعيدًا عن سرطان المبيض، يُسلط هذا العمل الضوء على الإمكانات الأوسع لتقنيات الـ "أوميكس" المكانية في فك شيفرة النظم البيئية المعقدة للأمراض وتوجيه العلاجات الدقيقة.