الإثنين 29 أبريل 2024 الموافق 20 شوال 1445
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر

الدكتور نزار رفعت يكتب.. حقنة هتلر والفرق كورونا والإنفلونزا

الأربعاء 20/يوليو/2022 - 01:41 م
الدكتور نزار رفعت
الدكتور نزار رفعت استاذ أمراض الصدر


تعودنا عندما نناقش أي فكرة أن نقول جملة (ما له وما عليه)، ولكني عندما شرعت في كتابة هذا الموضوع، وجدتني أناقش جنونا وخبلا وتخلفا عقليا، ويحضرني صراحة المزيد من الأوصاف التي لا يمكنني كتابتها احتراما لمشاعر القراء، ومن هنا كان اختياري للعنوان المذكور أعلاه.

تتكون حقنة هتلر أو حقنة البرد كما يسميها الناس من ثلاثة مكونات أساسية ( كورتيزون+ ديكلوفوناك كمسكن+ مضاد حيوي)، وحقنة البرد شيء مشهور من فترة كبيرة في الدجل الطبي، ولكن طبعا ككل الأشياء في زمن التقليعات اكتسبت اسما براقا يوحي للناس أنهم ربما يخرجون من الصيدلية بعد تلقيها فيجدون الجنود الألمان يؤدون لهم التحية العسكرية من فرط قوتهم.

دعونا في البداية نناقش فكرة أنها ضد نزلات البرد والإنفلونزا، ولو افترضنا جدلا ذلك فمن قال لك أن ما تعانيه هو نزلة برد أو إنفلونزا وليس شيئا آخر؟، وهل كل سخونة وتكسير في الجسم هو نزلة برد نتيجة تعرضنا للتكييف وأخذنا حمام؟، وكل الأفكار التي نضحك بها على أنفسنا باختيار تشخيص معروف أنه طيب وابن حلال في وجهة نظرنا.

الحقيقة أن معظم الأمراض في فهارس كتب الطب يمكنها أن تسبب ذات الأعراض، من سخونة وتكسير وضعف عام، ولذلك يمكث طلبة الطب سبع سنين في الكلية وأضعافها دراسات عليا، ليتمكنوا من تشخيص الأمراض وتحديد العلاجات اللازمة.

يا سادة نحن في زمن الكورونا، وهي لم تترك عضوا في الجسم إلا وألقت عليه بظلها الثقيل، ولم تترك عرضا طبيا إلا وسببته، فمن أكد لنا على الأقل أن ما تعانيه الآن هو نزلة برد وليس كورونا، وكذلك فالكورونا هي مرض التناقضات، فأحيانا تأتي بدون أعراض تماما وأحيانا أخرى بأعراض خفيفة جدا.

أعرف أن البعض سيسأل نفسه الآن وما الفرق بين نزلة البرد والإنفلونزا والكورونا؟، وهنا وجب القول إنه لا فروق دقيقة في الأعراض بين الثلاثة وحتى هذه الفروق الدقيقة لا توجد في كل المرضى وكذلك وجب التنويه على أن العديد من الأمراض الأخرى غير الثلاثة المذكورة تعطي نفس الأعراض.

فنزلة البرد يمكنها أن تسبب رشحا في الأنف واحتقانا في الزور وسخونة بسيطة وتكسيرا بسيطا في الجسم، وكذلك الإنفلونزا والكورونا في بعض الحالات تكون أعراضهما خفيفة ومماثلة تماما لنزلة البرد، صحيح أن الكورونا يمكنها أن تفقدك حاسة الشم ويمكنها أن تؤدي إلى ارتفاع شديد في الحرارة وأحيانا إسهال، وكذلك يمكنها أن تتسبب في فشل تنفسي بينما نزلات البرد لا يمكنها فعل ذلك.

ولكن تمهلوا يا سادة فالشيطان يكمن في التفاصيل، فمعظم حالات الكورونا والحمد لله لا تؤدي إلى فشل ولا حتى ضيق في النفس، وكذلك أغلبها لا يتسبب في فقد حاسة الشم، وفي أحيان ليست قليلة يكون ارتفاع درجة الحرارة في الكورونا طفيفا، بل وأحيانًا أخرى غير موجود أساسا، بالتالي إذا دققنا في السطور السابقة فسنصل إلى أن التفرقة بين كورونا ونزلات البرد بالأعراض، سيكون غير ممكن في كثير من الأحوال.

ونفس الكلام ينطبق على الإنفلونزا حيث تتشابه أعراضها أكثر مع كورونا، فكلاهما يتسبب في تكسير في الجسم وكلاهما يستطيع أن يتسبب في ارتفاع شديد في الحرارة، وكلاهما يمكنه أن يتسبب في رشح واحتقان بل وكلاهما ممكن أن يؤدي إلى إصابات في الرئة وفشل في التنفس وأكرر وأقول لحضراتكم، إن ما يظنه البعض شرطا في تشخيص كورونا مثل فقد حاسة الشم أو الإسهال لا يحدث في كثير من مرضى الكورونا، وكذلك له أسباب كثيرة في الطب غير الثلاثة أمراض التي نناقشها الآن.

بالطبع يجب الإشارة هنا إلى أننا نتكلم عن تشابه الأمراض الثلاثة في الأعراض بالنسبة للمريض، أما الفروق التي يعلمها الأطباء فهي كثيرة، ولكن ما شأن المرضي بها إذا كان لا يمكنهم رصدها أو تحديدها أو الاستفادة منها.

يعني عندما أقول لك إن البرد يسببه حوالي 200 نوع من الفيروسات، وإن فترة الحضانة فيه من يوم إلى أربعة أيام، وإن الإنفلونزا يسببها نوعان أساسيان من فيروس الإنفلونزا، وهي ألف وباء، وإن فترة الحضانة تتراوح كذلك من يومين إلى أربعة أيام وإن الإنفلونزا إذا سببت فشلا في التنفس فغالبا يكون نتيجة عدوى ثانوية بأنواع معينة من البكتيريا الكروية.

ماذا ستستفيد إذا شغلت نفسك بهذه الفروق الدقيقة والأكاديمية وتركت الفكرة الأساسية وهي اتباع الوسائل الوقائية وتلقي تطعيم الإنفلونزا والكورونا واللجوء إلى الطبيب في الوقت المناسب عند ظهور الأعراض؟، وألا تسلم نفسك للخرافات والدجل الطبي؟.

نرجع مرجوعنا للحقنة إياها فنقول، إن كل مركب فيها يمكنه أن يؤدي إلى العديد من الكوارث
فالكورتزون يضعف مناعتك ويجعل أي مكروب سواء فيروس أو بكتيريا مهما كانت ضعيفة تستأسد عليك وطبعا هنا سيقول البعض: إزاي يا دكتور وهو بيعالج الكورونا؟، وللرد أقول إنه يعالج مضاعفات معينة للكورونا وهي العاصفة المناعية (عاصفة السيتوكين)، وهذه في العادة تحدث بعد عشرة أيام من الإصابة ولها العديد من الخصائص التي يجب البحث عنها للتشخيص، وهذه بالفعل من ضمن علاجاتها الكورتيزون.

أما في بداية الإصابة بالكورونا، فالكورتيزون مضر جدا، بل وكارثي حيث يضعف جهازك المناعي ويجعل منك صيدًا سهلا للفيروس. 

والكورتيزون لن يضعف مناعتك ضد الفيروسات فقط، بل وضد البكتيريا والفطريات وليس الفطر الأسود والأبيض منا ببعيد، وكان السبب الأساسي للإصابة بهما في الهند هو الإفراط في استخدام الكورتيزون والمضادات الحيوية.

وكذلك لا ننسى أن الكورتيزون يرفع نسبة السكر في الدم، ويؤدي إلى ارتفاع الضغط وإلى أضرار كثيرة أخرى.

أما المضاد الحيوي في هذا الكوكتيل المجنون، فهو غالبا ما يكون سيفترايكسون، فهو من المبدأ وكأي مضاد حيوي لا يحارب الفيروسات ولكنه مضاد للبكتريا وبالتالي لا دور له ولا في البرد ولا في  الكورونا ولا الإنفلونزا من الأساس، حيث إنها جميعا أمراض فيروسية.

وإذا افترضا وجود بكتيريا، فمن قال إنها حساسة لهذا النوع بالذات من المضادات؟، وبفرض حساسيتها له فهل جرعة واحدة تكفي؟، بالطبع لا وبالتالي في عالم البكتيريا كما في البشر الضربة التي لا تقتلني تقويني، أي أن ذلك يؤدي إلى نشوء أنواع مقاومة من البكتيريا في الفرد نفسه وكذلك في المجتمع. 

وربما يقول البعض، إن هذا المضاد الحيوي لو لم ينفع فلم يضر، وهنا أقول لا طبعا سيضر، فمن الممكن أن يسبب لك حساسية شديدة وهو كذلك سيقتل البكتيريا المفيدة التي في جسمك، وبالتالي يضعف مناعتك.

أما المركب الثالث وهو الدكلوفيناك والذي يرجى منه تخفيف الألم وإنزال الحرارة، فهو من الأساس له قيود شديدة وطرق محددة كي يعطى في الوريد، ولن أخوض في التفاصيل الصيدلانية لهذا الأمر حتى لا يساء استخدام المعلومات.

ومن الممكن أن يؤدي هذا المركب إلى حساسية شديدة في الجسم في أي إنسان، وخاصة في بعض مرضى الربو الشعبي (حساسية الصدر)، فيمكنه إحداث نوبة شديدة ربما تكون مميتة. 

وأخيرا وليس بآخر، فإن وضع أكثر من دواء في محلول واحد شيء خطير جدا وله أصول يجب إلا يفعلها إلا الصيادلة الإكلينكيون، وهو التخصص المهضوم في بلدنا ولنا في هذا حديث آخر.

وتلخيصا لكل ما سبق أقول لحضراتكم احذروا، ففي حقنة البرد المدعوة حديثا بحقنة هتلر سم قاتل وكذلك يجب أن نتذكر دائما أن هناك فارقا كبيرا بين العرض والمرض، وأن الأعراض المتشابهة كالتكسير في الجسم واحتقان الحلق والكحة تحدث في العديد من الأمراض بنفس الشكل والدرجة، وهنا يأتي دور الطبيب بما لديه من معلومات وبما سيرصد أثناء الكشف من تغيرات وبما يستعين به من فحوص، أن يحدد نوع المرض الذي تسبب في الأعراض وبالتالي علاج هذا المرض بعينه، وأخيرا نسأل الله السلامة للجميع.