الثلاثاء 17 يونيو 2025 الموافق 21 ذو الحجة 1446
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر
المشرف العام
محمود المملوك
مستشار التحرير
د. خالد منتصر

هل تؤثر سمات الشخصية على تطور الأرق؟

الثلاثاء 20/مايو/2025 - 02:12 م
الأرق
الأرق


تناولت دراسةٌ أُجريت في كلية الطب بجامعة ساو باولو في البرازيل تأثير سمات الشخصية على تطور الأرق واستمراره، ووجدت علاقةً مباشرة بينهما.

وقد لفتت نتيجتان انتباه الباحثين: ارتبطت المستويات العالية من الانفتاح بانخفاض مستويات الأرق، بينما كانت المستويات العالية من العصاب (التي تتميز بعدم الاستقرار العاطفي) شائعةً جدًا لدى الأشخاص المصابين باضطراب النوم.

نشرت النتائج في مجلة أبحاث النوم.

وقالت باربرا أراوجو كونواي، أخصائية علم نفس النوم: "قررنا دراسة تأثير سمات الشخصية على الأرق، كونه اضطرابًا شائعًا جدًا وله عواقب صحية سلبية، مثل زيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكري والقلق والاكتئاب".

وأضافت: "هذه الظروف الصحية الجسدية والنفسية المختلفة تؤدي إلى تدني جودة الحياة بشكل عام".

الأرق

ويوضح المؤلفون، أن الأرق يعد من أكثر اضطرابات النوم شيوعًا لدى البالغين.

وتشير التقديرات إلى أن حوالي 30% من سكان العالم يعانون من هذه المشكلة، التي تتسم بصعوبة النوم، أو الاستمرار فيه، أو العودة إليه بعد استيقاظ مفاجئ.

5 سمات شخصية

وفقا لكونواي، هناك نظرية راسخة في الأدبيات تقترح وجود "3 Ps" للأرق: الاستعداد (العوامل التي تجعل الفرد أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب)، والتسارع (المحفزات المرتبطة بظهور الأعراض) والاستمرار (السلوكيات التي تجعل الشخص يبقى في الحلقة المفرغة من الأرق).

لذا، افترض الباحثون أن العصاب، وهو أكثر شيوعًا لدى المصابين بالأرق، يمكن اعتباره عاملًا مُهيئًا لاضطرابات النوم.

كما درسوا ما إذا كانت أعراض القلق والاكتئاب تُمثل عوامل وسيطة ومعتدلة للعلاقة بين العصاب والأرق.

ولكن لفهم كيفية توصل المؤلفون إلى نتائج الدراسة، يتعين علينا أن نتراجع خطوة إلى الوراء ونتعلم المزيد عن سمات الشخصية.

هذه سمات تُقدّر نمطًا لمشاعر شخصٍ مُعيّن وأفكاره وسلوكياته. إنها مجموعة من العوامل التي تُشكّل شخصية الفرد وخصائصه.

ووفقًا لنظرية السمات الخمس الكبرى، نمتلك جميعًا مستوياتٍ مختلفة من سمات الشخصية الخمس، كما أوضحت عالمة النفس، وهي:

الانبساط: يميل الأشخاص ذوو مستويات الانبساط العالية إلى التحدث بثقة أكبر، والهيمنة، والقيادة. يفضلون الأنشطة الجماعية، ويجدون سهولة في التواصل وبناء الألفة، ويكونون أكثر حزمًا، أما الأشخاص ذوو مستويات الانبساط المنخفضة، فليسوا بالضرورة انطوائيين، لكنهم يفضلون الوحدة، ويجدون صعوبة أكبر في العمل ضمن مجموعات.

العصابية: سمة شخصية مرتبطة بدرجة الاستقرار العاطفي. يميل الأشخاص ذوو مستويات العصابية العالية إلى أن يكونوا أقل استقرارًا عاطفيًا، ويركزون على الجوانب السلبية في الحياة، هم أشخاص يميلون، عند مواجهة الشدائد، إلى التشتت، والمعاناة الشديدة، والتعرض للتوتر. تشير الدراسات العلمية إلى أن العصابية العالية ترتبط بالقلق والاكتئاب.

اللطف: سمة شخصية مرتبطة بالتعاطف. يميل الأشخاص ذوو اللطف المرتفع إلى أن يكونوا أكثر تعاطفًا وودًا واهتمامًا برفاهية الآخرين، ويركزون كثيرًا على وضع الشخص الآخر (قد يكونون ساذجين ويقدّرون الشخص الآخر على حساب أنفسهم)، أما أصحاب الدرجات المنخفضة، فيميلون إلى أن يكونوا أكثر تشككًا وريبة.

الانفتاح على التجارب: يميل الأشخاص المنفتحون على التجارب الجديدة إلى أن يكونوا أكثر إبداعًا، ويميلون إلى الاستكشاف في مواجهة الجديد، إنهم فضوليون، وواسعو الخيال، ويختبرون المشاعر بعمق أكبر. أما الأشخاص ذوو مستويات الانفتاح المنخفضة فهم أولئك الذين يفضلون الروتين، ويتجنبون الانزعاج، ويميلون إلى التحفظ.

الضمير الحي: يُطلق عليه أيضًا الإنجاز. يتميز الأشخاص ذوو المستويات العالية بالعزيمة والالتزام والحماس والمثابرة، وقد يضحون بالمتع اللحظية في سبيل تحقيق هدف أسمى، قد لا يكون المؤشر المرتفع جدًا جيدًا لأنه قد يؤدي إلى الكمال. أما أصحاب الدرجات المنخفضة، فهم أقل تطلبًا وعنادًا، ويُعتبرون "كسالى" بالمعنى الشائع للكلمة.

تفاصيل الدراسة

وللوصول إلى هذه النتائج، قام الباحثون بدراسة 595 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عامًا، مقسمين إلى مجموعتين: الأولى تتكون من المصابين بالأرق الذين طلبوا المساعدة وتلقوا تشخيصًا رسميًا من أخصائي النوم، والأخرى مجموعة ضابطة من الأشخاص الذين لم يكن لديهم أي شكاوى من الأرق.

تم تحديد مستويات شخصية كل مشارك باستخدام استبيان مكون من 60 سؤالاً، قائم على الدرجات، استخدمه متخصصو علم النفس حصرياً. أجاب متطوعون من كلا المجموعتين على الأسئلة، مما سمح للباحثين بتحديد درجات سمات شخصية كل شخص.

بعد تطبيق الاستبيان على المجموعتين، ومقارنة البيانات وتحليلها، وجد كونواي أن مرضى الأرق حصلوا على درجات أعلى بكثير في العصابية مقارنةً بالأشخاص غير المصابين بالأرق، بالإضافة إلى درجات أقل في اللطف والانفتاح والضمير. وكانت الانبساطية هي السمة الشخصية الوحيدة التي لم تُظهر فرقًا يُذكر.

وقالت كونواي: "كانت العصابية السمة الأبرز، حيث كان معدل الإصابة بها أعلى بكثير لدى المصابين بالأرق، لكن لا يمكننا القول إن المصابين بالأرق أكثر انطوائية".

وأظهرت التحليلات أيضًا أن: 61.7% من المصابين بالأرق لديهم مستويات عالية من العصابية مقارنة بـ 32% من المجموعة الضابطة؛ 40.7% من المصابين بالأرق لديهم مستويات منخفضة من الانفتاح مقارنة بـ 23% من المجموعة الصحية؛ 31.5% من الأشخاص الذين يعانون من الأرق لديهم مستويات منخفضة من اللطف مقارنة بـ 23.2% من غير المصابين بالأرق؛ و37.7% من المصابين بالأرق لديهم مستويات منخفضة من الضمير مقارنة بـ 24.1% من المجموعة الضابطة.

كما أجرت المجموعة تحليلاً إحصائياً لمعرفة ما إذا كان هناك أي عامل آخر قد يربك العلاقة بين العصاب والأرق، واكتشفت أن القلق يعمل كآلية وسيطة، وهذا يعني أن أعراض القلق هي التي تسبب العصاب في الواقع للتأثير على تطور الأرق.

وبما أن سمات الشخصية ترتبط بنتائج صحية جسدية وعقلية إيجابية أو سلبية، فإن الدراسة تشير إلى أنه من المهم معرفة سمات الشخصية الأكثر انتشارا بين الأفراد الذين يعانون من الأرق حتى تساعد هذه المعرفة في عملية التقييم والوقاية والتخطيط للعلاجات الأكثر ملاءمة وفقا للخصائص المحددة لكل مريض.

وتؤكد النتائج أنه لعلاج الأرق لدى المريض، من الضروري أيضًا تقييم وعلاج القلق لديه.